للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم يغف أحد منا تلك الليلة، من السرور الذي طرقنا، وأيضا من الفكر فيما يصير أمرنا بعد ذلك إليه، غير أننا حصل لنا ولخيولنا راحة عظيمة، ببياتنا تلك الليلة فى مكان واحد وتشاورنا فيما نفعل من الغد، وكذلك السلطان الملك الظاهر، فإنه أخذ يتكلّم معنا فيما يرتّبه من الغد، فى قتال منطاش ونائب الشام، فما أصبح باكر نهار الاثنين إلا وقد رتبنا جميع أحوالنا وصار الملك الظاهر في عسكر كثيف وتهيّأنا لقتال منطاش وغيره وبعد ساعة وإذا بمنطاش قد أقبل من الشام في عالم كبير، من عسكر دمشق وعوامّها وممن تراجع إليه من عسكره، بعد الهزيمة، فتواقعنا، فحصل بيننا وقعة من شروق الشمس إلى غروبها ووقع بيننا وبينهم قتال لم يعهد مثله في هذا العصر. وبذل كلّ منا ومنهم نفسه، فقاتلنا عن أرواحنا لا عن أستاذنا، لأننا تحقّق كل منا أنه إن انهزم بعد ذلك لا بقاء له في الدنيا والمنطاشية أيضا قالوا كذلك وانكسر كل منا ومنهم غير مرة ونتراجع. هذا والملك الظاهر يكرّ فينا بفرسه كالأسد ويشجّع القوم ويعدهم ويمنيهم، ثم قصدنى شخص من الأمراء يقال له آقبغا الفيل وحمل علىّ فحملت عليه وطعنته برمحى ألقيته عن فرسه، فرآه الملك الظاهر، فسأل عنى، فقيل له: تغرى بردى فتفاءل باسمى. وقال ما معناه:

الله لا ينوّلنى ما في خاطرى إن كنت ما أرقّيك إلى الرتب العالية. انتهى.

قلت: ومعنى اسم تغرى بردى باللغة التركية: الله أعطى، فلهذا تفاءل الملك الظاهر به، لمّا قيل له، تغرى بردى واستمر كلّ من الطائفتين تبذل نفسها لنصرة سلطانها إلى أن أرسل الله سبحانه وتعالى في آخر النهار ريحا ومطرا في وجه منطاش ومن معه، فكانت من أكبر الأسباب في هزيمته وخذلانه ولم تغرب الشمس حتى قتل من الفريقين خلائق لا يحصيها إلا الله تعالى: من الجند والتّركمان والعربان والعامّة وولّى منطاش هو وأصحابه منهزما إلى دمشق، على أقبح وجه.