للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المذكورة، بعد ما قام له السلطان بجميع ما يحتاج إليه، وعند وداعه خلع عليه الملك الظاهر خلعة أطلسين متمّرا وقلّده بسيف مسقّط بذهب، وكتب له تقليدا بسلطنة بغداد، وناوله إيّاه، فأراد أحمد بن أويس أن يقبّل الأرض فلم يمكّنه السلطان من ذلك، إجلالا له وتعظيما فى حقه، وقام له وعانقه ووادعه، ثمّ افترقا، وكان ما أنعم به السلطان الملك الظاهر على القان غياث الدين أحمد بن أويس عند سفره خاصّة من النقد خمسمائة ألف درهم، سوى الخيل والجمال والسلاح والمماليك والقماش السكندرىّ وغير ذلك، واستمرّ ابن أويس بمخيّمه خارج دمشق إلى يوم ثالث عشر شعبان، فسافر إلى جهة بغداد بعد أن أظهر الملك الظاهر من علوّ همته ومكارمه وإنعامه لابن أويس المذكور ما أدهشه.

قلت: هكذا تكون الشّيم الملوكية، وإظهار الناموس، وبذل الأموال فى إقامة الحرمة، مع أن الملك الظاهر لم يخرج من الديار المصرية، حتّى تحمّل جملة كبيرة من الديون، فإنه من يوم حبس بالكرك «١» وملك الناصرىّ ومنطاش ديار مصر فرّقا جميع ما كان فى الخزائن السلطانية، وحضر الملك الظاهر من الكرك فلم يجد فى الخزائن ما قلّ ولا كثر وصار مهما حصّله أنفقه فى التجاريد والكلف، فلله درّه من ملك! على أنه كان غير مشكور فى قومه.

حدّثنى غير واحد من حواشى الأسياد أولاد السلاطين، قالوا: كنّا نقول من يوم تسلطن هذا المملوك: هذا الكعب الشؤم نشّفت القلعة من الرّزق وخربت الدنيا هذا، وكان الذي يصرف يوم ذلك على نزول السلطان إلى سرحة سرياقوس «٢» بكلفة