ملوك زماننا هذا! من أوّل السنة إلى آخرها، فلعمرى! هل الأرزاق قلّت أم الهمة اضمحلّت! وما الشيء إلا كما كان وزيادة، غير أنّ قلّة العرفان تمنع السيادة. انتهى.
وفى يوم ثانى شعبان خلع السلطان على الشيخ بدر الدين محمود الكلستانى المقدّم ذكره باستقراره فى كتابة سرّ مصر، بعد موت القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله، وكانت تولية الكلستانى هذه الوظيفة كتابة السرّ من غريب الاتفاق، كونه كان فقيرا مملقا خائفا من السلطان، وعند طلب السلطان له من خانقاه «١» شيخون لقراءة الكتاب الوارد عليه من العجم لم يخرج من الخانقاه حتى أوصى.
ثم إنّه بعد قراءة الكتاب سافر صحبة السلطان إلى دمشق واشتغل السلطان بما هو فيه عنه، فضاق عيشه إلى الغاية وبقى فى أعوز حال وبات ليلته يتفكّر فى عمل أبيات يمدح بها قاضى دمشق، لعلّه ينعم عليه بشىء يردّ به رمقه. فنظم قصيدة هائلة وكان بارعا فى فنون عديدة، وأصبح من الغد ليتوجه بالقصيدة إلى القاضى، فجاءه قاصد السلطان بولاية كتابة سرّ مصر فجاءته السعادة فجاة.
وكان من أمر السلطان أنه لمّا مات كاتب السرّ طلب من يوليه كتابة السرّ فذكر له جماعة وبذلوا له مالا، له صورة، فلم يلتفت السلطان إلى ذلك وأراد من يكون كفئا لهذه الوظيفة التى يكون متولّيها صاحب لسان وقلم فلم يجد غير الكلستانى المذكور، وكان أهلا لها، فطلبه وولّاه كتابة السرّ، فباشرها على أحمل وجه. انتهى.
ثمّ قدم على السلطان رسل طقتمش خان صاحب كرسى بلاد القفجاق «٢» بأنه يكون عونا مع السلطان على تيمور لنك، فأجابه السلطان لذلك.