ما بدأ به أن عزل قضاة مصر جميعهم من العريش «١» إلى أسوان «٢» ، وبعد يومين تكلم معه الحاجّ مفلح مولى القاضى بدر الدين «٣» بن فضل الله كاتم السرّ فى إعادة بعض من عزله من القضاة فأعاده، فانحل ما كان معقودا بالقلوب من مهابته، ثم قلع زيّه الذي كان يلبسه، ولبس الشاش الكبير الغالى الثمن ونحوه من الثياب، وترفّع فى مقاله وفعاله، حتى كاد يصعد الجو، وشح فى العطاء ولاذبه جماعة غير محبّبين إلى الناس. فانطلقت ألسنة الكافّة بالوقيعة فى عرضه، واختلقوا عليه ما ليس فيه، فلما قدم الأمير يلبغا الناصرىّ إلى الديار المصرية، وغلب برقوقا على المملكة وبعثه إلى سجن الكرك كان هو قاضيا يومئذ فوقّع فى حقّ الظاهر، وأساء القول فيه، فبلغه ذلك قبل ذهابه إلى الكرك فأسرّها فى نفسه، فلمّا ثار منطاش على الناصرى صرف ابن ميلق هذا عن القضاء بالصدر المساوى، بعد ما كان أخذ خطّه فى الفتاوى المكتتبة فى حقّ برقوق، فلمّا عاد برقوق إلى الملك لهج «٤» بدمه فتنبّهت أعين العدا لابن ميلق هذا وحسنوا للبيد فى أحمد أمين الحكم أن يقف للسلطان ويشكو ابن ميلق المذكور بسبب ما أخذه من أموال الأيتام، وكان نحو الثلاثين ألف درهم فضة، عنها قريب من ألف وخمسمائة مثقال من الذهب، فرفع فيه قصة إلى السلطان فطلبه فجاءوا به وقد حضر القضاة فأوقف مع النقباء تحت مقعد السلطان فى الميدان فحالما مثل قائما سقط مغشيا عليه، وصار على التّراب بحضرة