بمعزل عن إثارة الفتن، ويكفيك أن منطاشا لمّا ملك الديار المصريّة بعد خلع الظاهر برقوق، والقبض على الناصرىّ قتل غالب حواشى الملك الظاهر برقوق، وكان أيتمش فى حبسه بقلعة دمشق وهو أتابك العساكر وعظيم دولة برقوق، فلم يتعرّض إليه بسوء، لكونه كان مكفوفا عن الشرور والفتن، إلا هؤلاء القوم، فإنهم لمّا ظفروا بتنم وأصحابه لم يرحموا كبيرا لكبره ولا صغيرا لصغره، ولهذا سلّط الله تعالى بعضهم على بعض، إلى أن تفانوا جميعا.
ثم جهّزوا رأس الأتابك أيتمش المذكور، ورأس فارس الحاجب لا غير إلى الديار المصرية، فعلّقتا بباب قلعة الجبل، ثم بباب زويلة أيّاما ثم سلّمتا إلى أهلهما.
ثم خلع السلطان الملك الناصر على الأمير يشبك الشعبانى الخازندار باستقراره دوادارا كبيرا عوضا عن سيّدى سودون المنتقل إلى نيابة الشام، واستمر السلطان بدمشق إلى ليلة الخميس رابع شهر رمضان، فقتل فى الليلة المذكورة الأمير تنم الحسنى نائب الشام بمحبسه بقلعة دمشق، وقتل معه الأمير يونس بلطا نائب طرابلس أيضا، خنقا بعد أن استصفيت أموالهما بالعقوبة، ثم سلّما إلى أهلهما، فدفن تنم بتربته التى أنشأها عند ميدان الحصى خارج دمشق، وكان تنم المذكور- رحمه الله- من محاسن الدنيا، وكانت مدة ولايته على دمشق سبع سنين وستة أشهر ونصفا. ولقد أخبرنى بعض مماليك الوالد- رحمه الله- قال: لما حصر تيمورلنك العساكر المصرية بدمشق، كان الوالد يوم ذلك متولّى ثيابة دمشق، وكان مقيما على بعض أبواب دمشق لحفظها، وكان نوروز الحافظىّ على باب آخر، فركب نوروز الحافظى فى بعض الأيام، وأتى الوالد ووقف يحادثه، فكان من جملة كلامه للوالد، يا فلان، انظر عساكر هذا اللعين ما أكثرها، والله لو عاش أستاذنا لما قدر عليه لكثرة عساكره، فتبسّم الوالد وخاشنه فى اللفظ يمازحه، وقال له: