أزدمر وولده يشبك من الشجاعة والإقدام ما لعلّه يذكر إلى يوم القيامة، ولم يزل أزدمر يقتحم القوم ويكرّ فيهم إلى أن قتل وفقد خبره فإنه لم يقتل إلّا وهو فى قلب العدوّ، وسقط ولده يشبك بين القتلى وقد أثخنت جراحاته، وصار فى رأسه فقط زيادة على ثلاثين ضربة بالسيف وغيره، سوى ما فى بدنه.
ثم أخذ وحمل إلى بين يدى تيمور، فلمّا رأى تيمور ما به من الجراح تعجّب من إقدامه وثباته غاية العجب، وأمر بمداواته، فيما قيل؛ ولم تمض غير ساعة حتى ولّت العساكر الشامية منهزمة يريدون مدينة حلب، وركب أصحاب تيمور أقفيتهم، فهلك تحت حوافر الخيل من البشر ومن أهل حلب وغيرها من المشاة ما لا يدخل تحت حصر، فإن أهل حلب خرجوا منها لقتال تيمور، حتى النساء والصبيان، وازدحم الناس مع ذلك فى دخولهم إلى أبواب المدينة، وداس بعضهم بعضا، حتى صارت الرّمم طول قامة، والناس تمشى من فوقها، وقصد نوّاب المماليك الشامية قلعة «١» حلب وطلعوا إليها، فدخلها معهم خلائق من الحلبيين وكانوا قبل ذلك قد نقلوا إليها سائر أموال الناس بحلب.
هذا وقد اقتحم عساكر تيمور مدينة حلب فى الحال، وأشعلوا فيها النّيران وأخذوا فى الأسر والنهب والقتل، فهرب سائر نساء البلد والأطفال إلى جامع «٢» حلب وبقية المساجد، فمال أصحاب تيمور عليهن، وربطوهن بالحبال أسرى، ثم وضعوا السيف فى الأطفال، فقتلوهم بأسرهم، وشرعوا فى تلك الأفعال القبيحة على عادتهم، وصار الأبكار تفتضّ من غير تستّر، والمخدّرات يفسق فيهنّ من غير احتشام، بل