ولا الأمراء الكبار، فكثر الإرجاف وماج الناس، وانتهبت عدة حوانيت حتى قدم السلطان قريب العصر ومعه الأمراء، وقد قاسى من [مرّ «١» ] العطش والتعب مالا يوصف، فسر الناس بقدومه، وطلع إليه الأمراء والعساكر وباتوا تلك الليلة، وأصبح السلطان يتهيأ للقاء الأمراء، وقبض على يلبغا السالمىّ وسلّمه لجمال الدين البيرىّ الأستادار، فعاقبه وصادره، وشرع أمر السلطان كل يوم فى زيادة لعدم قدوم العسكر الشامى إلى القاهرة.
فلما كان آخر نهار الأحد نزلت الأمراء بالريدانية خارج القاهرة.
ثم أصبحوا فى بكرة نهار الاثنين ركبوا وزحفوا على القاهرة، فأغلقت أبواب المدينة وتعطلت الأسواق عن المعايش، ومشوا حتى وصلوا قريبا من دار الضيافة «٢» بالقرب من قلعة الجبل، فقاتلهم السلطانية من بكرة نهار الاثنين المذكور إلى بعد الظهر، فلما أذّن الظهر أقبل جماعة كثيرة من الأمراء إلى جهة السلطان طائعين: منهم الأمير يلبغا الناصرى، وآسنباى أمير ميسرة الشام المعروف بالتركمانى، وسودون اليوسفى، وإينال حطب، وجمق، فلما وقع ذلك اختل أمر الأمراء، وعزم جماعة منهم على العود إلى البلاد الشامية فحمل ما خف من أثقاله وعاد، وفعل ذلك جماعة كبيرة بعد أن أفرج شيخ عن الخليفة والقضاة وغيرهم، فتسلّل عند ذلك الأمير يشبك الشعبانى الدوادار، والأمير تمراز الناصرى أمير سلاح، والأمير جاركس القاسمى المصارع، والأمير قطلوبغا الكركى فى جماعة أخر، واختفوا بالقاهرة وظواهرها.
فلما وقع ذلك ولى الأمير جكم والأمير شيخ والأمير طولو وقرا يوسف فى طائفة يسيرة، وقصدوا البلاد الشأمية، فلم يتبعهم أحد من عسكر السلطان.