للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال الوالد: هذا أمر يطول، ولا بدّ من النزول، فنزل إليهم ومعه أرغون، وكلّم الأمراء فى سبب طلبهم إياه، وخشّن للأتابك بيبرس فى القول، فإنه كان مسفّر الوالد لما ولى نيابة حلب فى أيام الملك الظاهر برقوق، فلم يتكلّم بيبرس ولا غيره بكلمة واحدة، وسكت الجميع.

فلما طال المجلس قال الوالد: ما تتكلموا، فعندها «١» تكلّم شخص من الخاصكية الظاهرية يقال له: قرمش الأعور، وهو الذي قطع رأسه فى دولة الملك الأشرف برسباى من أجل جانى بك الصوفى حسبما يأتى ذكره، وقال قرمش: ياخوند، المقصود أنك تخرج من الديار المصرية حتى تسكن هذه الفتنة، ثم تعود بعد أيام أو يعطيك السلطان ما تختار من البلاد. فقال الوالد: بسم الله حتى أشاور السلطان ثم أسافر، وخرج فلم يجرؤ أحد أن يقبضه ولا يرسّم عليه، وعاد إلى بيته ولم يطلع إلى السلطان.

وكان سكنه بالبيت الذي بباب الرّميلة تجاه مصلّاة المؤمنىّ «٢» ، وأقام به يومه وتجهّز وخرج فى الليل فى نحو مائة مملوك من خواصّه، فلم يقف له أحد على خبر، وسار من البرّية إلى القدس الشريف فى دون الخمسة أيام، ولم يجتز بقطيا خوفا من تسليط العربان عليه.

وكان لما خرج من بيت بيبرس أرسل إليه السلطان يعلمه أنه أيضا يريد يختفى ويترك السلطنة، فلهذا جدّ الوالد فى السير لئلا يخرج القوم فى أثره ويقبضون عليه.