فلما كان وقت الظهر من يوم خروج الوالد من مصر وهو يوم الأحد خامس عشرين شهر ربيع الأوّل فقد السلطان الملك الناصر فرج بن برقوق من قلعة الجبل ولم يعرف له خبر.
وسبب تركه السلطنة أنه كان فى يوم النوروز جلس السلطان مع جماعة من الأمراء والخاصكية من مماليك أبيه، وشرب معهم حتى سكر، ثم ألقى بنفسه إلى فسقيّة هناك، فألقى الجماعة أنفسهم معه، وقد غلب على السلطان السكر، وصار يسبح معهم فى الماء ويمازحهم، وترك الوقار، فجاء من خلفه الأمير أزبك الإبراهيمى المعروف بخاصّ خرجى، وقيل غيره، وأزبك الأشقر «١» ، وأغمّه فى الماء مرارا وهو يمرق من تحته كأنه يمازحه حتى قبض عليه وغرّقه فى الماء حتى كادت نفسه تزهق، ففطن به بعض مماليك أبيه من الأروام ممن كان معهم أيضا فى الفسقية، وخلّصه منه، وأفحش فى سبّ أزبك المذكور، وأراد قتله، فمنعه السلطان من ذلك، وقال: كان يلعب معى، وأسرّها فى نفسه.
ثم طلع السلطان من الفسقيّة، وذهب كل واحد إلى حال سبيله، فذكر السلطان بعد ذلك للوالد ما وقع له مع أزبك المذكور، وأمره أن يكتم ذلك لوقته، فأخذ الوالد يزوّل عنه ذلك ويهوّنه عليه.
ثم عرّف السلطان جماعة من أكابر أمراء الجراكسة بذلك، فلم يلتفتوا لقوله وقالوا: لم يرد بذلك إلّا مباسطة السلطان، فعند ذلك تحقّق السلطان أنهم يريدون قتله، وكان ذلك بعد خروج الأمراء من السجن وظهور يشبك ورفقته، وقد كثروا وعظم جمعهم، فلم يجد الملك الناصر بدّا من أن يفوز بنفسه ويترك لهم ملك مصر.