بكرك البثنيّة «١» من حوران، وبات وأصبح وسار حتّى نزل مدينة بصرى، فتحقّق هناك خبر شيخ بأنّه فى عصر يوم الأربعاء الماضى بلغه أنّ السّلطان خرج من دمشق فى أثره، فرحل من بصرى بعساكره فزعا يريد صرخد بعد ما كلّمه الأمراء فى الثّبات، وقتال الملك الناصر؛ فلم يقبل، وركب من وقته، وترك غالب أصحابه بمدينة بصرى، ثم تبعته أصحابه مع كثرة عددهم إلى صرخد.
ولما بلغ الملك الناصر فرار شيخ وأصحابه، تأوّه لذلك وقال لكاتب سرّه فتح الله ولجمال الدين الأستادار: ألم أقل لكما إن شيخا فظيع ليس له قلب ولو كان معه مائة ألف مقاتل لا يقدر أن يقابلنى بهم؛ لرعب سكن فى قلبه منى؟ ثم أقام السّلطان على بصرى إلى بكرة يوم السبت، فقدم عليه وهو ببصرى الأمير برسباى الدّقماقىّ الساقى: أعنى الملك الأشرف، والأمير سكب اليوسفىّ، فأكرمهما السلطان ووعدهما بكلّ خير، ثمّ ركب وسار- وهو ثمل- حتى نزل بقرية عيون تجاه صرخد، فتناوش العسكران بالقتال، فقتل من جماعة شيخ فارسان، وجرح جماعة من السلطانيّة، ثم فرّ جماعة أخر من السلطان إلى الأمير شيخ، وبات السّلطان وأصبح فى وقت الفجر نادى أن لا يهدّ أحد خيمته، ولا يحمّل جمل، وأن يركب العسكر خيولهم، ويجرّ كل فارس جنيبه مع غلامه من غير أن يأخذوا أثقالهم، فركبوا، وسار بهم على هذه الحالة حتى طرق شيخا وأصحابه على حين غفلة، بعد أن كان سار هو بنفسه أمام عسكره مسرعا، وأمراؤه يخذّلونه من انقطاع عساكره عنه، ويقولون له: بمن تلقى شيخا، وقد عظم جمعه وتخلفت عساكر السلطان منقطعة؟ والملك الناصر لا يلتفت إلى قولهم ويقول:
لو بقى معى عشرة مماليك لقيت بهم شيخا ومن معه، [أنا]«٢» أعرفهم حقّ المعرفة.