الظاهريّة الذين كانوا يوم ذاك مع الأمير شيخ المذكور.
قالوا: لمّا قيل للأمير شيخ: إنّ السّلطان الملك الناصر قدم إلى جهة صرخد، تغيّر لونه واختلط فى كلامه، وأراد طلوع قلعد صرخد قبل أن يقاتل الملك الناصر، فلامه على ذلك بعض خواصّه، وقالوا له: قد انضمّ عليك فى هذه المرّة من الأمراء والعساكر ما لم يجتمع مثله لأحد قبلك، فإن كنت بهم لا تقاتل الملك الناصر فى هذه النّوبة فمتى تقاتله؟ وبعد هذا فلا ينضمّ عليك أحد، فقال شيخ:
صدقت فيما قلت، غير أنّ جميع من تنظره الآن وهو يتنمّر على فرسه إذا وقع بصره على الملك النّاصر صار لا يستطيع الهروب، فكيف القتال؟! فقال له القائل: فالذى يعلم هذا لا يصلح له أن يعصى ويتطلّب السّلطنة، فقال شيخ: والله ما أريد السّلطنة، وإنّما غالب ما أفعله خوفا من شرّ هذا الرّجل، وقد بذلت له الطاعة غير مرّة، وتوجّهت إلى خدمته بمصر والشّام، وقاتلت أعداءه، والله أنا أهابه أكثر من أستاذى الملك الظاهر برقوق، غير أنّه لا يريد إلّا أخذ روحى، والرّوح والله لا تهون، فأيش يكون العمل؟
وشرع يتكلم فى هذا المعنى ويكثر حتى أمره تمراز النائب بالكفّ عن هذا الكلام فى مثل هذا الوقت، والعمل فيما يعود نفعه عليه وعلى رفقته، فكفّ شيخ عن ذلك، وأخذ فى تدبير أمره وتعبية عساكره، حتى وقع ما حكيناه- انتهى.
ولمّا نزل السّلطان الملك الناصر على قلعة صرخد، أصر النّوّاب أن يتوجّه كلّ واحد منهم إلى محلّ كفالته، فسار الجميع إلّا الأمير دمرداش المحمّدىّ، فإنه أرسل ابن أخيه تغرى بردى المدعو سيّدى الصّغير إلى حلب؛ ليكون نائبا عنه بها، وأقام هو عند السّلطان على صرخد، وكذلك الأمير بكتمر جلّق نائب الشّام، فإنّه أيضا أقام عند السّلطان، وأخذ السّلطان فى حصار قلعة صرخد، وعزم على أنّه لا يبرح عن قتالها حتى يأخذها.