للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شيخ لما كان لشيخ عليه من الخدم بالقصر السّلطانىّ أيّام أستاذهما الملك الظّاهر برقوق من تلبيسه القماش، والقيام فى خدمته، ثمّ كاتب شيخ أيضا الأمير جمال الدين الأستادار، وفتح الله كاتب السرّ، وكان جمال الدين قد انحطّ قدره عند الملك النّاصر فى الباطن، واتّفق السّلطان مع الوالد على مسكه بدمشق، فمنعه الوالد من ذلك، ووعده أنه يكفيه أمره ويمسكه بالقرب من القاهرة، حتى لا يفرّ أحد من أقاربه وحواشيه.

ثمّ أخذ الوالد مع السّلطان فى أمر شيخ ورفقته فى كلّ يوم وساعة، ولا زال يخذّل الملك الناصر عن قتالهم، ويحسّن له الرّضى عنهم حتى أذعن السّلطان، وشرط عليه شروطا، فعند ذلك ركب الوالد ومعه الخليفة المستعين بالله العبّاس، وفتح الله كاتب السّرّ، فى يوم السّبت ثانى عشرين شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتى عشرة وثمانمائة المذكورة، وساروا حتى نزلوا على جانب الخندق، وخرج شيخ وجلس بداخل باب القلعة، فأخذ الوالد يوبخه على أفعاله، وما وقع للنّاس والبلاد بسببه، وهو ساكت لا يتكلّم، وقيل إنّ شيخا أراد الخروج إليهم فغمزه الوالد ألّا يخرج، ففطن شيخ بها، وجلس بداخل باب القلعة، ثمّ أخذ فتح الله أيضا يحذّره مخالفة السّلطان، ويخوّفه عواقب البغى، وفى كل ذلك يعتذر شيخ للوالد بأعذار مقبولة، ويستعفى من مقابلة السّلطان؛ خوفا من سوء ما اجترمه، والوالد يشتدّ عليه، ويلزمه بالخروج معه إلى السلطان فى الظاهر، وفى الباطن يشير عليه بعدم الخروج- هكذا حكى الملك المؤيد شيخ بعد سلطنته- وطال الكلام حتى قام الوالد، والخليفة، وفتح الله، وأعادوا بالجواب على السّلطان، فأبى السّلطان الرّضى عنه إلّا أن ينزل إليه، فكلّم الوالد السّلطان فى العفو عن ذلك، فلم يقبل، فكرّر عليه السّؤال مرّات، وقبّل يده والأرض غير مرّة، واعتذر عن عدم حضوره بأعذار مقبولة.

ثمّ عاد الوالد وفتح الله فقط إلى شيخ، فخرج شيخ حينئذ للوالد فعانقه الوالد، فبكى شيخ، فقال له الوالد على سبيل المداعبة والمماجنة: ما متّ يا شيخ حتى مشينا