يجلس مع مباشريه وينفّذ الأمور، ومع ذلك لم يقبل عليه الوالد؛ لقلّة دينه وسفكه الدّماء، وعظم ظلمه، وسار الوالد من مخيّمه ومماليكه مشاة حوله يقصد وطاق جمال الدّين.
حدّثنى القاضى شرف الدين أبو بكر بن العجمىّ، موقّع جمال الدين، وزوج بنت أخيه، قال: كنت جالسا بين يدى الأمير جمال الدين الأستادار فى وطاقه، وقد حضر إلى تلقّيه غالب أقاربة، فقيل له إنّ الأمير الكبير تغرى بردى قادم إلى جهتك، فلمّا سمع جمال الدّين ذلك تغيّر لونه وقال: هذا من دون عسكر السّلطان لا يعودنى فى مرضى، فما مجيئه فى هذا الوقت لخير. ونهض من وقته قبل أن نردّ عليه الجواب، وخرج من خامه ماشيا إلى جهة الوالد خطوات كثيرة غالبها هرولة حتى لقى الوالد- وهو راكب- فقبّل رجله فى الرّكاب، فمسكه الوالد من رأسه ثمّ أمر به فقيّد فى الحال، وقال لمن تولّى تقييده هذا الأمير جمال الدين عظيم الدّولة، أبصر له قيدا ثقيلا يصلح له، فبكى جمال الدين ودخل تحت ذيله.
ثمّ أمر الوالد بالقبض على جميع أقاربه وحواشيه، فقبض على ابنه أحمد، وعلى ابنى أخته أحمد وحمزة، وكان الوالد ندب جماعة من مماليكه إلى القاهرة للحوطة على دور جمال الدين وأقاربه، ثمّ أخذهم الوالد «١» ، وأركبهم بالقيود، وسار بهم إلى جهة الدّيار المصريّة، كلّ ذلك والسّلطان لا يعلم بما وقع إلّا بعد سير الوالد إلى جهة القاهرة، وأخذ جمال الدين فى طريقه يترقّق للوالد ويعده ويسأله القيام فى أمره، كلّ ذلك والوالد لا يعتبه إلّا على قتل أستاداره عماد الدين إسماعيل وأخذ ماله.
وكان خبر إسماعيل مع جمال الدين المذكور أن [عماد الدين]«٢» إسماعيل كان أستادار الوالد، وكان له عزّ وثروة ومعرفة ورئاسة قبل أن يترأس جمال الدين، فكان يستخفّ بجمال الدين، ويطلق لسانه فى حقّه، وجمال الدين لا يصل إليه من انتمائه للوالد، فأخذ جمال الدين يسعى فى أستاداريّة الوالد مدّة طويلة