حتى ولّاه الوالد أستاداريته، بعد أن بذل جمال الدّين مالا كثيرا للوالد ولحواشيه، واستأذن الوالد أنّه يقبض على [عماد الدين]«١» إسماعيل ويؤدّبه ويظهر للوالد فى جهته جملة كبيرة من الأموال، وفى ظنّ الوالد أنّه يوبّخه بالكلام، أو يهينه ببعض الضرب ثمّ يطلقه، فأذن له الوالد فى ذلك، وكان [عماد الدين]«٢» إسماعيل المذكور مسافرا، فلمّا قدم من السّفر ركب وأتى إلى الوالد، وكان الوالد تغيّر عليه قبل ذلك لسبب من الأسباب، فقبّل يد الوالد، وخرج من عنده فصدف جمال الدين عند مدرسة سودون من زادة، فقال له الأمير جمال الدين: بسم الله يا أمير عماد الدين، أين الهديّة؟ فعاد معه عماد الدين، وحال وصوله إلى بيته أجرى عليه العقوبة، وأخذ منه أربعين ألف دينار، ثمّ ذبحه من ليلته، فلمّا سمع الوالد بقتلته من الغد كاد عقله أن يذهب، وأراد الرّكوب فى الحال والطّلوع إلى السّلطان، فقال له حواشيه وخواصّه: يا خوند قد فات الأمر، وما عسى أن يصنع فيه الملك الناصر مع خصوصيّته عنده، فسكت الوالد على دغل «٣» ، وأخذ فى توغير خاطر السّلطان عليه، ويعرّف السّلطان بأفعال جمال الدين، ولا زال به حتّى تغيّر عليه مع أمور أخر وقعت من جمال الدين، فكان ذلك أكبر أسباب ذهاب جمال الدين، وأراح الله المسلمين منه.
ثمّ ركب السلطان من غيتا وسار حتى نزل بالخانقاه «٤» ، ثمّ سار حتى طلع إلى قلعة الجبل فى يوم السّبت حادى عشر جمادى الأولى المذكور، بعد أن زيّنت له القاهرة ومصر، وخرج النّاس لتلقّيه، فكان لدخوله يوم عظيم، وحمل الوالد على رأسه القبّة والطّير «٥» ، ولمّا استقرّ السّلطان بقلعة الجبل- وقد حبس بها جمال الدين-