ثمّ رسم السّلطان للوالد أن يتسلّم جمال الدين ويعاقبه، فقال الوالد: يا مولانا السلطان جمال الدين كلب لا يتسلّمه إلّا كلب مثله، فقال تاج الدّين عبد الرّزّاق «١» ابن الهيصم: يا خوند، أنا ذلك الكلب، فسلّمه السلطان له.
وأمّا أسباب القبض على جمال الدين فكثيرة، منها: ما فعله ليلة بيان لمّا استشاره السلطان هو وفتح الله، وفرّ الأمراء، وكان جمال الدين لمّا خرج من عند السّلطان أرسل إلى الأمراء بذلك، وطلب جمال الدين صيرفيّه عبد الرحمن وأمره فصرّ للأمير شيخ المحمودىّ نائب الشّام بخمسة آلاف دينار يرسلها له صحبة الأمراء المتوجّهين فى الليل إليه، وإلى تمراز بثلاثة آلاف دينار، وهو رأس الأمراء الذين عزموا على الفرار، وعلى رفقته: سودون بقجة، وعلّان، وإينال، لكلّ واحد بألفى دينار، وبعث بالمبلغ إليهم، وأعلمهم بما عزم عليه «٢» السلطان من القبض عليهم، فكان هذا من أكبر الأسباب فى هلاك جمال الدين، ولم يعلم السلطان ذلك إلّا بعد أيّام.
ومنها أنّ السلطان الملك الناصر لم يكن معه فى هذه السّفرة من الذّهب إلّا النزر اليسير، فسأل جمال الدين فى مبلغ فقال جمال الدّين: ما معى إلّا مبلغا هيّنا، فندب السلطان فتح الله كاتب السرّ فى الفحص عن ذلك، فقال له فتح الله: قد رافق جمال الدين فى هذه السّفرة تاج الدين عبد الرزّاق بن الهيصم كاتب المماليك، وأخوه مجد الدين عبد الغنىّ مستوفى الديوان «٣» المفرد فاسألهما «٤» وتلطّف بهما تعلم ما مع جمال الدين من الذّهب، فطلبهما السلطان، وفعل ذلك، فأعلماه بليلة بيسان، وما فعله جمال الدين من إرسال الذّهب، وإعلام الأمراء بقصد السّلطان حتى فرّوا ولحقوا