ولمّا دخل السّلطان إلى دمشق، أصبح نادى بدمشق بالأمان والاطمئنان لأهل الشّام، وألا ينزل أحد من العسكر فى بيت أحد من الشّاميّين، ولا يشوّش أحد منهم على أحد فى بيع ولا شراء، ونودى أن الأمير نوروزا الحافظىّ هو نائب الشّام.
ثمّ فى ثانى شهر ربيع الآخرة قدم الأمير شاهين الزّردكاش «١» نائب صفد على السّلطان بدمشق، ثمّ فى ثالثه خلع السّلطان على الأمير يشبك الموساوىّ الأفقم باستقراره فى نيابة طرابلس، واستقرّ أبو بكر بن اليغمورىّ فى نيابة بعلبك، وأخوه شعبان فى نيابة القدس، ثمّ فى سادس شهر ربيع الآخر المذكور، خرج أطلاب السّلطان والأمراء من دمشق إلى برزة، وصلى السلطان الجمعة يجامع بنى أميّة، ثمّ ركب وتوجه بأمرائه وعساكره جميعا إلى أن نزل بمخّيمه ببرزة، وخلع السلطان على شاهين الزّردكاش نائب صفد باستقراره نائب الغيبة بدمشق، وسكن شاهين بدار السعادة، وتأخر بدمشق من أمراء السلطان الأمير قانى باى المحمّدىّ، لضعف كان اعتراه، وتخلّف بدمشق أيضا القضاة الأربعة، والوزير سعد الدين بن البشيرىّ، وناظر الخاص مجد الدين بن الهيصم، وسار السّلطان بعساكره إلى جهة حلب حتى وصلها، فى قصد شيخ ونوروز بمن معهما من الأمراء، ثمّ كتب السّلطان لنوروز وشيخ يخيّرهما، إما الخروج من مملكته، أو الوقوف لمحاربته، أو الرجوع إلى طاعته، يريد- بذلك- الملك الناصر الشفقة على الرعيّة من أهل البلاد الشّامية؛ لكثرة ما صار يحصل لهم من الغرامة والمصادرة، وخراب بلادهم من كثرة النّهّابة من جهة العصاة، ثمّ أخبرهما الملك الناصر أنه عزم على الإقامة بالبلاد الشّامية السنتين والثلاثة حتى ينال غرضه، فأجابه الأمير شيخ بأنه ليس بخارج عن طاعته، ويعتذر عن حضوره بما خامر قلبه من شدة