الوالد ويتضرّعون إليه، وهو يتبرّم من أمرهم والكلام فى حقهم، ويوبخهم بما فعله الأمير شيخ مع بكتمر جلّق بعد حلفه فى واقعة صرخد، فأخذ شيخ يعتذر ويحلف بالأيمان المغلظة أن بكتمر جلّق كان الباغى عليه والبادئ بالشرّ، وأنه هو دفع عن نفسه لا غير، وأنّه ما قصده فى الدّنيا سوى طاعة السّلطان، وأنت الأمير الكبير، وأكبر خشدا شيتنا، إن لم تتكلم بيننا فى الصلح «١» فمن يتكلم؟ ثمّ كاتبوا أيضا جماعة من الأمراء فى طلب العفو والصّلح، ولا زالوا حتى تكلم الوالد مع السّلطان فى أمرهم، فأبى السّلطان إلّا قتالهم وأخذهم، والوالد يمعن فى ذلك حتى ابترم الصّلح غير مرّة والسلطان يرجع عن ذلك.
ثمّ تردّدت الرسل بينهم وبين السّلطان أياما حتى انعقد الصلح، على أن يكون الوالد نائب الشام، وأن يكون الأمير شيخ نائب حلب، وأن يكون الأمير نوروز نائب طرابلس، وكان ذلك بإرادة شيخ ونوروز؛ فإنهما قالا: لا نرضى أن يكون بكتمر جلّق أعلى منا رتبة بأن يكون نائب الشّام- ونحن أقدم منه عند السّلطان- فإن كان ولا بدّ، فيكون الأمير الكبير تغرى بردى فى نيابة الشّام، ونكون نحن تحت أوامره، ونسير فى المهمّات السّلطانية تحت سنجقه، وأمّا بكتمر ودمرداش فلا، وإن فعل السّلطان ذلك لا يقع منّا بعدها مخالفة أبدا.
ولمّا بلغ الأمراء والعساكر هذا القول أعجبهم غاية الإعجاب، وقد ضجر القوم من الحصار، وملّوا من القتال، فلا زالوا بالسلطان حتى أذعن ومال إلى تولية الوالد نيابة الشّام، وكلّم الوالد فى ذلك، فأبى وامتنع غاية الامتناع، وكان السّلطان قد شرط على الأمراء شروطا كثيرة فقبلوها- على أن يكون الوالد نائب دمشق- وأخذ الملك الناصر يكلم الوالد فى ذلك