البلد، واقتحموا الحمام المذكورة ليقتلوا بها الأمير شيخا وأصحابه، فسبقهم بعض المماليك وأعلم الأمير شيخا، فخرج من وقته من الحمام ولبس ثيابه ووقف فى مسلخ الحمام عند الباب، ومعه أصحابه الذين كانوا معه فى الحمام، فطرقهم القوم بالسلاح، فدافع كلّ واحد منهم عن نفسه، وقاتلوا قتال الموت، حتى أدركهم الأمير نوروز بجماعته، فقاتلوهم حتى هزموهم بعد ما قتل الأمير سودون بقجة، وأصاب الأمير شيخا سهم غار فى بدنه، فنزف منه دم كثير حتى أشرف على الموت، وحمل إلى قلعة الكرك فأقام ثلاثة أيام لا يعقل، ثمّ أفاق، ومن هذه الرّجفة حصل له مرض المفاصل الذي تكسّح منه بعد سلطنته، هكذا ذكر المؤيد لبعض أصحابه.
وأمّا الأمير نوروز لمّا بلغه قتل سودون بقجة وهو يعارك القوم جدّ فى قتالهم حتى كسرهم، وقتل منهم مقتلة عظيمة، ثمّ عاد إلى الكرك وقد جرح من أصحابه جماعة، وبلغ هذا الخبر السلطان الملك النّاصر فسرّ بقتل سودون بقجة سرورا عظيما؛ لكثرة ما كان أحسن إليه ورقّاه حتى ولّاه نيابة طرابلس، فتركه وتوجّه إلى الأمير شيخ ونوروز من غير أمر أوجب تسحبّه، بل لأجل خاطر أغاته «١» وحميّه الأمير تمراز النائب.
ثمّ وقع بين الأمراء وبين سودون الجلب بالكرك، فنزل سودون الجلب من الكرك وتركها لهم، ومضى حتى عدّى الفرات.
وأما السّلطان الملك النّاصر، فإنه سار من مدينة دمشق حتى نزل على مدينة الكرك فى يوم الجمعة رابع عشرين ذى القعدة، وأحاط بها ونصب عليها الآلات، وجدّ فى قتالها، وحصرها وبها شيخ ونوروز وأصحابهما، واشتدّ الحصار عليهم بالكرك، وأخذ الملك النّاصر يلازم قتالهم حتى أشرفوا على الهلاك والتّسليم، ثمّ أخذ شيخ ونوروز والأمراء يكاتبون