وقد مات بسجن الإسكندريّة الأمير خيربك نائب غزّة، فانّهم السلطان أنّه اغتاله بالسّم، والصحيح أنّه مات حتف أنفه.
ثمّ قدم كتاب الأمير نوروز الحافظىّ على السلطان على يد فقيه يقال له سعد الدّين، ومملوك آخر، ومعهما محضر شهد فيه ثلاثة وثلاثون رجلا من أهل طرابلس- ما بين قاض وفقيه وتاجر- بأنه لم يظهر منه بطرابلس منذ قدم إليها إلا الإحسان للرعيّة، والتمسك بطاعة السلطان، وامتثال مراسيمه، وأنّ أهل طرابلس كانوا قد خرجوا منها فى أيّام جانم لما نزل بهم من الضرر والظلم، فعادوا إليها أيّام نوروز المذكور، وأنّه كلّما ورد عليه مثال سلطانىّ يتكرّر منه تقبيل الأرض، وأنّه حلف- بحضرة من وضع خطّه- بالأيمان المغلّظة الجامعة لمعانى الحلف أنه مقيم على طاعة السّلطان، متمسّك بالعهد واليمين، فلم يغترّ السلطان بالمحضر ولا التفت إليه؛ لما ثبت عنده من عصيانهما «١» .
قلت: ولهذه الأيمان الحانثة ذهب الجميع على السيف فى أسرع مدّة، حتى إننى لا أعلم أن أحدا من هؤلاء «٢» الأمراء مات على فراشه، بل غالبهم تفانوا قتلا على أنواع مختلفة لتجرّئهم على الله تعالى، وكان يمكنهم الخروج على الملك النّاصر المذكور لسوء سيرته فيهم ثمّ يعودون إلى طاعته من غير أن يتعرّضوا للأيمان والعهود، والتلاعب بذلك فى كلّ قليل، وصار ذلك دأبا لهم إلى أن سلط الله بعضهم على بعض، فذهبوا كأنهم لم يكونوا- مع قوّتهم، وشدّة بأسهم، وفرط شجاعتهم- وملك بعدهم من لم يكن فى رتبتهم ولا يدانيهم فى معنى من المعانى، ودانت له البلاد، وأطاعته العباد، وصفا له الوقت من غير معاند ولا مدافع.