والقهم برأس الرّمل، فإن انتصرت عليهم فافعل ما بدالك، وإن كانت الأخرى فاخرج إلى البلاد؛ فمن قرا يوسف صاحب العراق إلى والى قطيا فى طاعتك، فما عندى غير هذا. فاستحسن جميع عسكره هذا الرأى إلّا هو؛ فإنّه لم يعجبه، وسكت طويلا، ثمّ رفع رأسه وقال: يا أطا «١» ، أنا قتلت هذه الخلائق لتعظّم حرمتى، فإذا رجعت من هنا أيش يبقى لى حرمة، وأنا أعرف بحال هؤلاء من غيرى، والله ما صفتهم قدّامى إلّا كالصّيد المجروح، والله إذا بقى معى عشرة مماليك قاتلتهم بهم، ولا أطلب إلّا أن يثبتوا ويقفوا، ويقاتلونى حتى أنتصف منهم، فقال له الوالد: اعلم أنّهم الآن يقاتلونك.
ثمّ طلبنا الملك النّاصر [أنا وإخوتى]«٢» فأحضرونا بين يديه، وكنّا ستّة ذكور، فقبّلنا يده- وأنا أصغر الجميع- فسأل عن. سمائنا، فقيل له ذلك، ثمّ تكلّم الأتابك دمرداش المحمّدىّ عن لسان الوالد بالوصيّة علينا، فقال [السّلطان]«٣» : هؤلاء أولادى وأصهارى وإخوتى، ما هذه الوصيّة فى حقّهم؟
كلّ ذلك والوالد ساكت قد أسنده مماليكه لا يتكلّم، فلمّا قام الملك النّاصر قال الوالد: أودعت أولادى إلى الله تعالى، واستعنت به فى أمرهم، فنفعنا ذلك غاية النّفع- ولله الحمد- مع ما أخذ لنا من الأموال التى لا تدخل تحت حصر عند هزيمة الملك النّاصر من الأمراء، ودخوله إلى دمشق.
ثمّ خرج السّلطان الملك الناصر من دمشق بعساكره فى يوم الاثنين سادس المحرّم، ونزل برزة، ثمّ رحل منها يريد محاربة الأمراء، ونزل حسيا بالقرب من حمص، فبلغه رحيل القوم من قارا إلى جهة بعلبك، فترك أثقاله بحسيا وساق فى أثرهم إلى بعلبك، فوجدهم قد توجّهوا إلى البقاع «٤» فقصدهم، فمضوا نحو الصّبيبة