السّلطنة لتستقيم بسلطنته الأحوال، وتنفذ الكلمة، وتجتمع النّاس على سلطان، وثبت خلع الملك النّاصر على القضاة، وأجمعوا على إقامة الخليفة سلطانا، فامتنع الخليفة من ذلك غاية الامتناع، وخاف ألّا يتمّ له ذلك فيهلك، وصمّ على الامتناع، وخاف من الملك النّاصر خوفا شديدا، فلمّا عجز عنه الأمراء دبّروا عليه حيلة، وطلبوا الأمير ناصر الدّين محمّد بن مبارك شاه الطّازىّ- وهو أخو الخليفة المستعين بالله لأمه- وندبوه بأن يركب ومعه ورقة تتضمّن مثالب الملك النّاصر ومعايبه، وأن الخليفة قد خلعه من الملك وعزله من السّلطنة، ولا يحلّ لأحد معاونته ولا مساعدته.
فلمّا بلغ الخليفة ذلك لام أخاه ناصر الدين بن مبارك شاه المذكور على ذلك، وأيس الخليفة عند ذلك من الصلاح الملك النّاصر له، فأذعن لهم حينئذ بأن يتسلطن، فبايعوه بأجمعهم، وحلفوا له بالأيمان المغلّظة والعهود على الوفاء له وعلى القيام بنصرته ولزوم طاعته.
وتمّ أمره على ما يأتى ذكره فى أوائل ترجمته من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وأمّا الملك النّاصر، فإنّه لمّا تسلطن الخليفة، وخلع هو من الملك، نفر النّاس عنه، وصاروا حزبين: حزبا يرى أنّ مخالفة الخليفة كفر، والنّاصر قد عزل من الملك، فمن قاتل معه فقد عصى الله ورسوله، وحزبا يرى أنّ القتال مع الملك الناصر واجب، وأنه باق على سلطنته، ومن قاتله إنما هو باغ عليه وخارج عن طاعته.
ومن حينئذ أخذ أمر الملك النّاصر فى إدبار، إلى أن قتل فى ليلة السبت سادس عشر صفر من سنة خمس عشرة وثمانمائة بالبرج من قلعة دمشق بعد ما حوصر أياما، كما سيأتى ذكره مفصلا فى ترجمة المستعين بالله، إلى أن حبس بقلعة دمشق.
وخبره: أنه لمّا حبس بقلعة دمشق- بعد أمور يأتى ذكرها فى سلطنة المستعين