جهة عينه الذّاهبة، واشتغل جمال الدين بمباشرته بسرعة لأجل قجاجق المذكور، وأخذ يكتب على القصص ويرميها لينهى أمره، فأخذ قجاجق قصّة منها ورمّل عليها، فعرف أصحاب جمال الدين ما فعله قجاجق المذكور فقام إليه وأهوى على يده ليقبّلها ثمّ قدّم له تقدمة هائلة.
وتكلّم الناس بهذه الحكاية، فصار من هو أجنبي عن الرياسة ومداخلة الملوك، وعديم المعرفة برتب أرباب الوظائف يقول: كان قجاجق يرمّل على جمال الدين، وكيف ذلك والدّوادار الكبير لا يرمّل على السّلطان وإنما يرمّل على كتابة السلطان رأس نوبة النّوب؟! وفى هذا كفاية.
وبالجملة فإنّ هذه الحكاية تدلّ على أنّ قجاجق كان ساقط المروءة لأنّ قردم الخازندار كان أنزل رتبة من قجاجق ولم يدخل إلى جمال الدين ولم يسأله حاجة فى عمره، وعجز جمال الدين فى ترضّيه فلم يرض ولم يدخل إليه، فأين هذا من ذاك؟! - انتهى.
وتوفّى قاضى القضاة تقىّ الدين عبد الرحمن ابن تاج الرّياسة محمد بن عبد الناصر المحلّىّ الدّميرىّ الزّبيرىّ «١» الشافعىّ فى يوم الأحد أوّل شهر رمضان، ومولده فى سنة أربع وثلاثين وسبعمائة.
ولى قضاء الديار المصرية بعد الصّدر المناوىّ نحو ثلاث سنين، وحسنت سيرته لمعرفته بالشروط والأحكام، ولعفّته أيضا عن كلّ قبيح.
وكان نشأ ببلده بالزّبيريّات من قرى الغربية من أعمال القاهرة، وسلك النواحى، وطلب العلم، وسمع على أبى الفتح الميدومىّ وغيره، وقرأ على أبيه القراءات وغيره، وتفقّه بجماعة.