الطّازىّ- أخو الخليفة المستعين بالله لأمه- ودخلا على الملك النّاصر وكلّماه فى ذلك، وطال الكلام بينهم فلم يعجب الملك النّاصر ذلك.
وتردّدت الرّسل بينهم غير مرّة بغير طائل، وأمر الملك النّاصر أصحابه بالرّمى عليهم، فعاد الرّمى من أعلى القلعة بالمدافع والسّهام، وركب الأمراء واحتاطوا بالقلعة، فأرسل الملك النّاصر يسأل بالكفّ عنه، فضايقوا القلعة خشية أن يفرّ السّلطان منها إلى جهة حلب، ومشت الرسل أيضا بينهم ثانيا، وأضرّ الملك النّاصر التّضييق والغلبة إلى أن أذعن إلى الصلح، وحلفوا له ألّا يوصّلوا إليه مكروها، ويؤمّنوه على نفسه، وأن يستمرّ الخليفة سلطانا، وقيل غير ذلك: إنّه ينزل إليهم ويتشاور الأمراء فيمن يكون سلطانا، فإن طلبه المماليك فهو سلطان على حاله، وإن لم يطلبوه فيكون الخليفة، ويكون هو مخلوعا يسكن بعض الثغور محتفظا به.
ومحصول الحكاية أنّه نزل إليهم فى ليلة الاثنين حادى عشر صفر، ومعه أولاده يحملهم ويحملون معه، وهو ماش من باب القلعة إلى الإسطبل والنّاس تنظره، وكان الأمير شيخ نازلا بالإسطبل المذكور، فعند ما عاينه شيخ قام إليه وتلقّاه وقبل الأرض بين يديه، وأجلسه بصدر المجلس، وجلس بالبعد عنه وسكّن روعه، ثمّ تركه بعد ساعة وانصرف عنه، فأقام الملك النّاصر بمكانه إلى يوم الثلاثاء ثانى صفر.
فجمع الأمراء والفقهاء والعلماء المصريّون والشّاميّون بدار السعادة بين يدى أمير المؤمنين- وقد تحوّل إليها وسكنها- وتكلموا فى أمر الملك النّاصر