ثم أرسل السلطان تشريفا إلى فخر الدين عبد الغنى بن أبى الفرج وهو كاشف الوجه البحرى باستقراره أستادارا عوضا عن ابن محب الدين المقدّم ذكره، ثم تقرّر الحال على ابن محب الدين أنه يحمل مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار بعد ما عوقب وعصر فى بيت الأمير جقمق عصرا شديدا، ثم نقل من بيت جقمق إلى بيت فخر الدين بن أبى الفرج، فتسلمه فخر الدين المذكور عند ما حضر إلى القاهرة.
هذا وقد ارتفع الطاعون بالديار المصرية، وظهر بالبلاد الشاميّة.
ثم فى سابع جمادى الآخرة من سنة تسع عشرة المقدّم ذكرها أمر السلطان أن الخطباء إذا أرادوا الدّعاء للسلطان على المنبر فى يوم الجمعة [أن]«١» ينزلوا درجة ثم يدعوا للسلطان حتى لا يكون ذكر السلطان فى الموضع الذي يذكر فيه اسم الله عزّ وجلّ واسم نبيّه صلى الله عليه وسلم؛ تواضعا لله تعالى، ففعل الخطباء «٢» ذلك، وحسن هذا ببال الناس إلى الغاية، وعدّت هذه الفعلة من حسناته- رحمه الله.
تم تكرّرت صدقات السلطان فى هذه السنة مرارا عديدة على نقدات متفرقة.
هذا وقد ألزم السلطان مباشرى الدّوله بالرّخام الجيّد لأجل جامعه، فطلب الرّخام من كل جهة، حتى أخذ من البيوت والقاعات والأماكن التى بالمفترجات، ومن يومئذ عزّ الرخام بالديار المصرية لكثرة ما احتاجه الجامع المذكور من الرّخام؛ لكبره وسعته، وهو أحسن جامع بنى بالقاهرة فى الزّخرفة والرّخام لا فى خشونة العمل والإمكان، وقد اشتمل ذلك جميعه فى مدرسة السلطان حسن بالرّميلة، ثم فى مدرسة الملك الظاهر برقوق ببين القصرين، ولم يعب على الملك المؤيد فى شىء من بناء هذا الجامع إلا أخذه باب مدرسة السّلطان حسن والتّنّور الذي كان به، وكان اشتراهما السلطان حسن بخمسمائة دينار، وكان يمكن الملك المؤيد أن يصنع أحسن منهما لعلوّ همّته؛ فإن فى ذلك نقص مروءة وقلة أدب من جهات عديدة.