وقد حدثنى بعض الثقات من أهل صعيد مصر قال: كان غالب مزارعى بلدنا أشرافا علويّة، والعامل بالبلد نصرانيا، فإذا قدم العامل إلى البلد خرجت الفلاحون لتلقيّه، فمنهم من يسلّم عليه السّلام المعتاد، ومنهم من يفشى السلام عليه ويمعن فى ذلك، ومنهم من يمشى فى ركابه إلى حيث ينزل من البلد، ومنهم من يقبّل يده- وهو الفقير المحتاج أو الخائف من صاحب البلد- ويسأله إصلاح شأنه فيما هو مقرّر عليه من وزن الخراج حتى يسمح له بذلك، فلما منع الملك المؤيد هؤلاء النّصارى عن المباشرة بطل ذلك كلّه؛ فيكون الملك المؤيد على هذا الحكم فتح مصر فتحا ثانيا، وأعلى كلمة الإسلام وأخذل كلمة الكفر، ولا شىء عند الله أفضل من ذلك.
ولما لم يجب النصارى إلى عودهم إلى ما كانوا عليه من المباشرات بالديار المصرية وأعياهم أمر السلطان وثباته، وانقطع عنهم ما ألفوه من التحكّم فى المسلمين- ويقال:
إنّ العادة طبع خامس- شقّ عليهم ذلك، فتتابع عدّة منهم فى إظهار دين الإسلام وتلفظوا بالشهادتين فى الظاهر والله سبحانه وتعالى متولى السرائر.
قال المقريزى- بعد أن ذكر نوعا مما قلناه بغير هذه العبارة- قال: فصاروا من ركوب الحمير إلى ركوب الخيل والتعاظم على أعيان أهل الإسلام والانتقام منهم بإذلالهم وتعويق تعاملهم ورواتبهم حتى يخضعوا لهم ويتردّدوا إلى دورهم ويلحّوا فى السّؤال- فلا قوة إلا بالله- انتهى كلام المقريزى باختصار.
قلت: ويمكن إصلاح هذا الشّأن الثانى أيضا- إن صلح الراعى ونظر فى أحوال الرّعيّة وانتصر لدينه- بسهولة، هو أنه يكفّ من كان قريب عهد منهم من دين النصرانيّة عن المباشرة- انتهى.
ثم قدم الخبر على السّلطان بتوجه ابن السلطان من مدينة قيساريّة إلى مدينة قونيّة «١» فى خامس عشر شهر ربيع الآخر بعد ما مهّد أمور قيسارية ونقش اسم