فلا زال المؤيّد بهم حتى جعلهم ثمانين خاصّكيّا كما كانت أيام «١» أستاذه الملك الظاهر برقوق، وكانت الدّوادارية نحو ثمانين دوادارا، فلا زال حتى جعلهم ستّة، وكذلك الخازندارية والبجمقدارية والحجّاب، وكان يتأمّر الشخص فى أيامه ويقيم سنين ولم يسمح له بلبس تخفيفة «٢» على رأسه، كل ذلك مراعاة لأفعال السّلف، وكان عارفا بأنواع الملاعيب، رأسا فى لعب الرّمح وسوق البرجاس «٣» ، قويا فى ضرب السّيف والرّمى بالنّشّاب، ماهرا فى فنون كثيرة جدّ وهزل، لا يعجبة إلا الكامل فى فنه.
دخلت إليه مرّة وأنا فى الخامسة فعلّمنى- قبل دخولى إليه- بعض من كان معى أن أطلب منه خبزا، فلما جلست عنده وكلّمنى سألته فى ذلك، فغمز من كان واقفا بين يديه وأنا لا أدرى، فأتاه برغيف كبير من الخبز السلطانى، فأخذه بيده وناولنيه وقال: خذ هذا خبز كبير مليح، فأخذته من يده وألقيته إلى الأرض، وقلت: أعط هذا للفقراء، أنا ما أريد إلا خبزا بفلّاحين يأتوننى بالغنم والأوز والدّجاج، فضحك حتى كاد أن يغشى عليه، وأعجبه منى ذلك إلى الغابة، وأمر لى بثلاثمائة دينار، ووعدنى بما طلبته وزيادة- انتهى.
وكان يحسن تربية مماليكه إلى الغاية، ولا يرقّيهم إلا بعد مدّة طويلة، ولذلك لم يخمل منهم أحد بعد موته- فيما أعلم.
وكان يميل إلى جنس التّرك ويقدّمهم، حتى إن غالب أمرائه كانوا أتراكا، وكان يكثر من استخدام السّيفيّة ويقول: هؤلاء قاسوا خطوب الدّهر، وتأدبوا؛ وما رسوا الأمور والوقائع، وكان عارفا بتعبئة العساكر فى القتال ثبّاتا فى الحروب،