الصّغير رأس نوبة النوب فإنه عندما ورد عليه الخبر بموت السلطان [الملك]«١» المؤيد [شيخ]«٢» بعدما عهد بالسّلطنة من بعده لابنه الملك المظفّر أحمد، وأن يكون القائم بتدبير الدّولة ألطنبغا القرمشىّ، وأنه قد أقيم فى السلطنة الملك المظفّر كما عهد الملك المؤيد، أخذ هو ومن معه من الأمراء فى الرّحيل من حلب إلى جهة الديار المصرية كما رسم له به، وكان من أمر يشبك ما كان فاشتغل بذلك عن المسير، ثم ورد عليه الخبر باستقرار نوّاب الممالك الشاميّة على عوائدهم، وتحليفهم للسلطان الملك المظفر أحمد، وللأمير الكبير ططر، فحمل الأمر فى ذلك على أنه غلط من الكاتب، وسأل أن يفصح له عن ذلك، وأبرق وأرعد. ولم يعلم بأن الأمر انقضى وفاته ما أراد، وقد انتهز الأمير ططر الفرصة، وتمثل لسان حاله بقول القائل:[الوافر]
إذا هبّت رياحك فاغتنمها ... فإنّ لكلّ خافقة سكونا
ثم أمر الأمير ططر بكتابة جوابه، فأجيب بكلام متحصّله: أنه لما عهد الملك المؤيد [شيخ]«٣» لابنه بالملك، وأقيم فى السلطنة، طلب الأمراء والخاصّكيّة والمماليك السلطانيّة أن يكون المتحدّث فى أمور الدّولة الأمير ططر، ورغبوا إليه فى ذلك، ففوّض إليه الخليفة جميع أمور المملكة بأسرها، فليحضر الأمير بمن معه إلى الديار المصرية ليكونوا على إمريّاتهم وإقطاعاتهم على عادتهم، ثم أنكر عليه استقرار ألطنبغا الصغير فى نيابة حلب من غير استئذانه.
ثم قدم الخبر أيضا على الأمير ططر بأن على بن بشارة قاتل الأمير قطلوبغا التنمىّ نائب صفد وكسره، فانحصر بمدينة صفد إلى أن فرّ منها إلى دمشق، وانضم على نائبها الأمير جقمق، وأن جقمق قد استعدّ بدمشق، واستخدم جماعة كبيرة من المماليك، وسكن قلعة دمشق، فتحقّق الأمير ططر عند ذلك خروج جقمق عن طاعته، وكذلك الأمير الكبير ألطنبغا القرمشى وأخذ فى إبرام أمره.
فلما كان يوم الخميس تاسع شهر ربيع الأول [المذكور]«٤» خلع على الأمير تنبك