ومات وهو فى مبادئ الكهولية، وكانت مدّة تحكّمه منذ مات الملك المؤيّد شيخ إلى أن مات أحد عشر شهرا تنقص خمسة أيام، منها مدّة سلطنته أربعة وتسعون يوما، وباقى ذلك أيام أتابكيّته.
قال المقريزى فى تاريخه عن الملك الظاهر ططر: وكان يميل إلى تديّن، وفيه لين وإغضاء وكرم مع طيش وخفّة، وكان شديد التعصّب لمذهب الحنفية، يريد أن لا يدع من الفقهاء غير الحنفية، وأتلف فى مدته- مع قلّتها- أموالا عظيمة، وحمّل الدولة كلفا كثيرة، أتعب بها من بعده، ولم تطل أيّامه لتشكر أفعاله أو تذمّ- انتهى كلام المقريزى.
قلت: ولعل الصّواب فى حقّ الملك الظّاهر ططر بخلاف ما قاله المقريزى مما سنذكره مع عدم التعصّب له، فإنه كان يغضّ من الوالد كونه قبض على بعض أقاربه وخشداشيّته بأمر الملك الناصر فرج فى ولايته على دمشق الثالثة، غير أن الحقّ يقال على أى وجه كان.
كان ططر ملكا [عظيما]«١» جليلا كريما، عالى الهمة، جيّد الحدس، حسن التّدبير، سيوسا، توثّب على الأمور مع من كان أكبر منه قدرا وسنا، ومع عظم شوكة المماليك المؤيّدية [شيخ]«٢» ، وقوة بأسهم، مع فقر كان به وإملاق، فلا زال يحسن سياسته، ويدبّر أموره، ويخادع أعداءه إلى أن استفحل أمره، وثبت قدمه، وأقلب دولة بدولة غيرها فى أيسر مدّة وأهون طريقة. كان تارة يملق هذا، وتارة يغدق على هذا، وتارة يقرّب هذا ويظهره على أسراره الخفيّة، كل ذلك وهو فى إصلاح شأنه فى الباطن مع من لا يقرّ به فى الظاهر، فكان حاله مع من يخافه كالطبيب الحاذق الذي يلاطف عدّة مرضى قد اختلف داؤهم، فينظر كل واحد ممن يخشى شرّه، فإن كان شهما رقّاه إلى المراتب العلية وأوعده بأضعاف ذلك، وإن كان طماعا أبذل إليه الأموال وأشبعه، حتى إنه دفع لبعض المماليك المؤيديّة الأجناد فى دفعات متفرّقة فى مدّة يسيرة