ثم فى سادس عشر [شهر]«١» ربيع الآخر المذكور قدم الأمير تنبك ميق نائب الشام إلى الديار المصرية، بعد أن تلقّاه جميع أعيان الدولة، وطلع إلى القلعة، فخرج الأمير الكبير برسباى لتلقّيه خارج باب القصر السلطانى، ونثر على رأسه خفايف الذّهب والفضة، وعاد معه إلى داخل القصر بعد أن اعتذر له عن عدم نزوله إلى تلقّيه مخافة من المماليك الأجلاب، فقبل الأمير تنبك عذره، ثم قدّمت خلعة جليلة فلبسها الأمير تنبك [نائب الشام «٢» ] المذكور وهى خلعة الاستمرار له على نيابة دمشق على عادته، ثم خلا به الأمير برسباى وتكلّم معه واستشاره فيمن يكون سلطانا؛ لأن الديار المصرية لابد لها من سلطان تجتمع الناس على طاعته، ثم قال له: وإن كان ولابد فيكون أنت، فإنك أغاتنا وكبيرنا وأقدمنا هجرة، فاستعاذ الأمير تنبك من ذلك وقام فى الحال، وقبّل الأرض بين يديه وقال: ليس لها غيرك، فشكر له الأمير برسباى على ذلك، ثم اتّفق جميع الأمراء على سلطنته، وخلع الملك الصالح محمد من السّلطنة، فوقع ذلك فى يوم الأربعاء ثامن شهر ربيع الآخر [من] »
سنة خمس وعشرين وثمانمائة حسبما يأتى ذكره فى أوّل ترجمة الملك الأشرف برسباى.
قلت: وكما تدين تدان جوزى الملك الظاهر ططر فى ولده كما فعل [هو]«٤» بابن الملك المؤيد [شيخ]«٥» الملك المظفر أحمد، غير أن الأمير ططر كانت له مندوحة بصغر ابن الملك المؤيد [شيخ]«٦» من أنه كان [بقى]«٧» لبلوغه الحلم سنين طويلة، وأما الملك الصالح هذا فكان مراهقا، غير أنهم احتجوا أيضا بأنه كان فى عقله شىء شبه الخلل.
قلت: وإن توقّف الأمر على أنّ كلّ واحد من هؤلاء يخلع بأمر من الأمور، ويكون ذلك حجّة لمن خلعه، فيلزم الخالع من ذلك أمور كثيرة لا يطيق التخلّص منها أبدا، ليس لإبدائها هنا محلّ، وقد دار هذا الدّور على أناس أخر بعدهما، والكأس ممزوج لمن