الأولى سنة اثنتين وستين وسبعمائة، هكذا سمعته من لفظه غير مرّة؛ وأمّه بنت قاضى القضاة بهاء الدين بن عقيل الشافعى النحوى، ونشأ بالقاهرة، وحفظ القرآن العزيز وعدّة متون، وتفقّه بوالده وبغيره إلى أن برع فى الفقه والأصول والعربيّة والتفسير وعلمى المعانى والبيان، وأفتى ودرّس فى حياة والده، وولى قضاء العسكر بالديار المصرية، ثم ولى قضاء القضاة بها فى إحدى الجمادتين من سنة أربع وثمانمائة فى حياة والده عوضا عن قاضى القضاة ناصر الدين محمد الصّالحىّ، وذلك أوّل ولايته، وعزل ثم ولّى غير مرة- حرّرنا ذلك فى تاريخنا المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى- وكانت جنازته مشهورة إلى الغاية، وحمل نعشه على رءوس الأصابع، وكان ذكيّا مستحضرا، عارفا بالفقه ودقائقه، مستقيم الذّهن، جيّد التصور، حافظا فصيحا بليغا جهورىّ الصّوت، مليح الشكل، للطول أقرب، أبيض مشربا بحمرة، صغير اللحية مدوّرها، منوّر الشّيبة، جميلا وسيما، ديّنا عفيفا مهابا جليلا، معظّما عند الملوك والسلاطين، حلو المحاضرة، رقيق القلب سريع الدّمعة، على أنّه كان فيه بادرة وحدّة مزاج، غير أنها كانت تزول عنه بسرعة، ويأتى يعد ذلك من محاسنه ما ينسى معه كل شىء، وكان محبّبا للرّعية، متجملا فى ملبسه ومركبه، ومدحه خلائق من العلماء والشعراء، أنشدنى قاضى القضاة جلال الدين أبو السعادات محمد بن ظهيرة قاضى مكة وعالمها، من لفظه لنفسه بمكة المشرفة مديحا فى قاضى القضاة جلال الدين المذكور فى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة [قال رحمه الله]«١»[الطويل]
هنيئا لكم يا أهل مصر جلالكم ... عزيز فكم من شبهة قدّ جلالكم