فإنه كان يمكنه حبسه إلى الأبد كما فعل ذلك بعدّة من الملوك، فإنه كان عاقلا ساكنا عديم الشّر ليّن الجانب متواضعا كريما حشيما، ولم يكن فيه ما يعاب، غير أنه كان من غير جنس القوم لا غير.
وتوفّى الأمير الوزير المشير بدر الدين حسن ابن محبّ الدين عبد الله الطرابلسىّ تحت العقوبة- فى سابع عشر جماد الآخر بدمشق- بأمر الأمير الكبير ططر، وكان أبو بدر الدين هذا من مسالمة نصارى طرابلس وبها ولد بدر الدين هذا ونشأ، وتعانى قلم الدّيونة «١» ، وتولى شدّ الدواوين بها، ثم غير زيّه، وولى كتابة سرّ طرابلس، ثمّ تعلّق بخدمة الملك المؤيّد شيخ المحمودى لمّا ولى نيابة طرابلس وعمل أستاداره، وغيّر زيّه ولبس زىّ الأمراء، ودام فى خدمته إلى أن تسلطن وولاه الأستادارية ثم الوزر، ثم نيابة الإسكندرية، ثم الكشف بالوجه القبلى، ثم أعيد إلى الأستادارية، ثم أمسكه وصادره وعاقبه.
قال المقريزى: وكان يكتب الخطّ المنسوب، ويتظاهر بالمعاصى، وينوّع الظلم فى أخذ الأموال، فعاقبه الله بيد ناصره الملك المؤيد شيخ أشدّ عقوبة، ثم قبض عليه ططر وصادره وعاقبه حتى هلك تحت الضّرب، وعاقبه ميّتا، فأراح الله منه عباده.
وتوفّى قاضى القضاة شيخ الإسلام جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقينىّ «٢» الشافعى قاضى الديار المصريّة وعالمها، فى ليلة الخميس حادى عشر شوّال عن ثلاث وستين سنة، بعد مرض طويل تمادى به فى دمشق لمّا كان مسافرا صحبة السّلطان إلى مصر، وصلّى عليه بالجامع الحاكمى، وأعيد إلى حارة بهاء الدين، ودفن على أبيه بمدرسته «٣» التى أنشأها تجاه داره- وهو صهرى زوج كريمتى والذي تولّى تربيتى- رحمه الله تعالى، ومات ولم يخلف بعده مثله فى كثرة علومه وعفته عما يرمى به قضاة السّوء، وكان مولده بالقاهرة فى جمادى