للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فزمانا تهوّدا ... وزمانا تنصّرا

وسيصبو إلى المجو ... س إذا الشّيخ عمرا

قال وقد كان أبو الجمال هذا من نصارى الكرك، وتظاهر بالإسلام فى واقعة كانت للنّصارى هو وأبو علم الدين داود بن الكويز، وخدم كاتبا عند قاضى الكرك عماد الدين أحمد المقيرى، فلما قدم عماد الدين إلى القاهرة وصل أبو جمال الدين هذا فى خدمته، وأقام ببابه حتى مات وهو بائس فقير، لم يزل دنس الثياب مغتم الشكل، وابنه جمال الدين هذا معه فى مثل حاله، ثم خدم جمال الدين هذا بعد موت القاضى عماد الدين عند التّاجر برهان الدين إبراهيم المحلى كاتبا لدخله وخرجه، فحسنت حاله وركب الحمار، ثم سار بعد المحلى إلى بلاد الشّام وخدم بالكتابة هناك، حتى كانت أيّام [الملك] «١» المؤيّد شيخ فولّاه علم الدين بن الكويز نظر الجيش بطرابلس، فكثر ماله بها، ثم قدم فى آخر أيّام ابن الكويز إلى القاهرة، فلما مات ابن الكويز وعد بمال كبير حتى ولى كتابة السّرّ بالديار المصرية، فكانت ولايته من أقبح حادثه رأيناها- انتهى كلام المقريزى برمته.

قلت: وعدّ ولاية هذا الجاهل لمثل هذه الوظيفة العظيمة من غلطات الملك الأشرف وقبح جهله، فإنه لو كان عند الملك الأشرف معرفة وفضيلة [لا نتظر] «٢» حتى يرد عليه كتاب من بعض ملوك الأقطار يشتمل على نثر ونظم وفصاحة وبلاغة، وأراد الأشرف من كاتب سرّه أن يجيب عن ذلك بأحسن منه أو بمثله- كما كان يفعله الملك الناصر محمد بن قلاوون وغيره من عظماء الملوك- لعلم تقصير من ولّاه لهذه الوظيفة، ولاحتاج لعزله فى الحال ولولاية غيره ممن يصلح؛ لئلا يظهر فى ملكه بعض تقصير ووهن؛ لأنه يقال فى الأمثال «تعرف شهامة الملك وعظمته من ثلاث:

كتابه، ورسله، وهديته» فهذا شأن من يكون له شهامة وعلوّ همّة من الملوك [وأما