كبيرة من الأمراء والمماليك وهم متقلدون بسيوفهم حتى طرقوا الجودرية «١» إحدى حارات القاهرة، فأحاطوا بها مع جميع جهاتها وكبسوا على دورها وفتشوها تفتيشا عظيما، وقدوشى بعض الناس إلى السلطان بأن جانى بك الصوفى فى داربها، فلم يقعوا له على خبر، وقبضوا على القاضى فخر الدين ماجد بن المزوق الذي كان ولى كتابة السرّ ونظر الجيش فى دولة الملك الناصر فرج وأحضروه بين يدى السلطان، فسأله عن الأمير جانى بك الصوفى وحلف له إن دله على مكانه لا يمسه بسوء، فحلف فخر الدين المذكور أنه لا يعرف مكانه ولا وقع بصره عليه من يوم أمسك وحبس، فلم يحمله السلطان على الصدق لمصاهرة كانت بينه وبين جانى بك الصوفى وصحبة قديمة، وأمر به فضرب بين يديه بالمقارع وأمر بنفيه، ثم نودى من الغد أن لا يسكن أحد بالجودرية لما ثبت عند السلطان أن جانى بك الصوفى مختف بها، والظاهر أن الذي كان ثبت عند الأشرف أن جانى بك الصّوفى كان مختفيا بها كان على حقيقته فيما بلغنا بعد موت الملك الأشرف، غير أن السّتّار ستره وحماه، فلم يعثروا عليه حتى قيل إنه كان بالدّار المهجوم عليها ولم ينهض للهروب فالتفّ بحصيرة بها، وكلّ من دخل الدّار رأى الحصيرة المذكورة فلم يجسّها أحد بيده؛ لتعلم أن الله على كل شىء قدير.
ولما نودى أن لا يسكن أحد بالجودريّة انتقل منها جماعة كبيرة واستمرت خالية زمانا طويلا، هذا والسلطان فى كلّ قليل يقبض على جماعة من المماليك السلطانية ويعاقبهم ليقرّوا على جانى بك الصّوفى، فلم يقع له على خبر، كلّ ذلك والسلطان فى شغل بتجهيز المجاهدين لغزو قبرس:
وورد عليه- فى يوم السّبت سابع عشرين جمادى الأولى- رسول صاحب إستانبول