وهى القسطنطينيّة بهديّة وشفع فى أهل قبرس أن لا يغزوا، فلم يلتفت السلطان إلى شفاعته، وأخذ فيما هو فيه من تجهيز العساكر.
ثم فى يوم الاثنين ثالث عشر جمادى الآخرة من سنة تسع وعشرين المذكورة قدم من عساكر البلاد الشّاميّة عدة كبيرة من الأمراء والمماليك والعشير وطائفة كبيرة من المطّوّعة ليسيروا إلى الجهاد، فأنزلوا بالميدان الكبير.
وفيه خلع السلطان على قاضى القضاة عزّ الدين عبد العزيز بن على بن العزّ قاضى قضاة الحنابلة بدمشق زمن المؤيّد شيخ باستقراره قاضى قضاة الحنابلة بديار مصر، عوضا عن قاضى القضاة محبّ الدين أحمد بن نصر الله البغدادى بحكم صرفه عنها، وكان عزل قاضى القضاة محب الدين لسوء سيرة أخيه وابنه.
ثم فى ثالث عشرين جمادى الآخرة جلس السلطان بالحوش من قلعة الجبل لعرض المجاهدين، وأنفق فيهم مالا كبيرا، فكان يوما من أجلّ الأيّام وأحسنها، لما وقع فيه من بذل السلطان الأموال على من تعيّن للجهاد، وعلى عدم التفات المجاهدين لأخذ المال، بل كان الشخص إذا وقف فى مجلس السلطان ينظر رءوس النّوب تتهارب من المماليك السلطانية الذين يريدون أخذ الدّستور «١» من السّلطان للتوجّه إلى الجهاد، والسلطان يأمرهم بعدم السّفر، ويعتذر أنه لم تبق مراكب تحملهم، وهم يتساعون فى ذلك مرّة بعد أخرى، وربما تكرّر وقوف بعضهم الأربع مرّات والخمسة، وأيضا من عظم ازدحام الناس على كتّاب المماليك ليكتبوهم فى جملة المجاهدين فى المراكب المعيّنة، حتى إنه سافر فى هذه الغزوة عدّة من أعيان الفقهاء، ولمّا أن صار السلطان لا ينعم لأحد بالتّوجّه بعد أن استكفت العساكر سافر جماعة من غير دستور، وأعجب من هذا أنه كان الرّجل ينظر فى وجه المسافر للجهاد يعرفه قبل أن يسأله لما بوجهه من السّرور والبشر الظاهر بفرحه للسّفر، وبعكس ذلك فيمن لم يعيّن للجهاد، هذا مع كثرة من تعيّن للسفر من المماليك السلطانية وغيرهم، وما أرى هذا إلا أنّ الله