مسافة طويلة، وأيضا لا يقدرون على سرعة المشى من كثرة ازدحام الناس بالطرقات، ثم ساروا من باب المدرج إلى أن دخلوا باب الحوش، فلمّا رأى متملك قبرس السلطان وهو جالس على المقعد المذكور فى موكبه وأمره من معه بتقبيل الأرض غشى عليه وسقط إلى الأرض، ثم أفاق وقبل الأرض وقام على قدميه عند باب الحوش تجاه السلطان على بعد، وسارت الغنائم بين يدى السلطان حتى عرضت عليه بتمامها وكمالها، ثم الأسرى بأجمعهم حتى انتهى ذلك كله، فتقدّمت الأمراء الغزاة وقبلوا الأرض على مراتبهم إلى أن كان آخرهم الأمير إينال الجكمىّ مقدّم العساكر.
ثم أمر السلطان بإحضار متملّك قبرس فتقدّم ومشى وهو بقيوده ورأسه مكشوفة، وبعد أن مشى خطوات أمر فقبّل الأرض، ثم قام، ثم قبّل الأرض ثانيا بعد خطوات، وأخذ يعفّر وجهه فى التّراب، ثم قام فلم يتمالك نفسه- وقد أذهله ما رأى من هيبة الملك وعزّ الإسلام- فسقط ثانيا مغشيا عليه، ثم أفاق من غشوته وقبّل الأرض، وأوقف ساعة بالقرب من السلطان بحيث إنه يتحقّق شكله، هذا والجاويشيّة تصيح والشّبابة السلطانية تزعق والأوزان يضرب على عادته «١» ، ورءوس النّوب والحجّاب تهول الناس بالعصى من كثرة العساكر، والناس بالحوش المذكور، هذا مع ما الناس فيه من التّهليل والتّكبير بزقاقات القلعة، وأطباق المماليك السلطانية وغيرها.
ثم أمر السلطان بجينوس المذكور أن يتوجّه إلى مكان بالحوش السلطانى، فمروا به فى الحال إلى المكان المذكور.
ثم طلب السلطان مقدّمى عساكر الغزاة من أمراء مصر والشام والخاصّكيّة المقدّم كل واحد منهم على مركب، وكانوا كثيرا جدا؛ لأن عدّة مراكب الغزاة المصريين والشاميين زادت على مائة قطعة، وقيل مائتان، وقيل أكثر أو أقل ما بين أغربة، وقراقير، وزوارق وغير ذلك، فأوّل من بدأ بهم السلطان وخلع عليهم أمراء الألوف