للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التراب على رءوسهم، والسلطان ينظر إليهم من مجلسه بالمقعد الذي كان جلس به من أمسه، وسبب صراخ الأسرى وعظيم بكائهم أنه كان فيهم من لا يصدق أنّ ملكهم قد أسر لكثرتهم وتفرقهم فى المراكب، والاحتفاظ بهم، وعدم اجتماع بعضهم على بعض، فكان إذا قيل لبعضهم إن ملككم معنا أسيرا يضحك، ثم يقول: أين هو؟ فإذا قيل له بهذه المركب ويشار إلى مركب الأمير تغرى بردى المحمودىّ يهزأ بذلك ويتبسم، فلما عاينوه تحقّقوا أسره فهالهم ذلك، وقيل إنّ بعض سبى الفرنج سألت من رجل من المسلمين- لما كسروا الصليب الكبير الذي يعرف به جبل الصليب ببلادهم، وكان هذا الصليب معظما عندهم إلى الغاية- وقالت: نحن إذا حلف منا رجل أو امرأة على هذا الصّليب باطلا أوذى فى الوقت، وأنتم قد كسر تموه وأحرقتموه ولم يصبكم بأس، ما سبب ذلك؟ فقال لها الرجل: أنتم أطعتم الشيطان فصار يغويكم ويستخفّ بعقولكم، ونحن قد هدانا الله للإسلام وأنزل علينا القرآن فلا سبيل له علينا، فعند ما كسرناه بعد أن ذكرنا اسم الله تعالى عليه فرّ منه الشيطان وذهب إلى لعنة الله، فقالت المرأة: هو ما قلته، وأسلمت هى وجماعة معها- انتهى.

ولما أوقف جينوس المذكور بالحوش بين يدى السلطان، وأوقف معه جماعة من قناصلة الفرنج ممن كان بمصر وأعمالها، وتكلم الترجمان معه فيما يفدى به نفسه من المال وإلا يقتله السلطان، صمم هو على مقالته الأولى، فالتزم القناصلة عنه بالمال لفدائه من غير تعيين قدر بعينه ... ، ولكنهم أجابوا السلطان بالسمع والطاعة فيما طلبه، وعادوا بجينوس إلى مكانه من الحوش والترسيم عليه، وكان الذي رسم عليه السّيفى أركماس المؤيدى الخاصكى المعروف بأركماس فرعون، وأقام جينوس بمكانه إلى يوم الأربعاء، فرسم له السلطان ببدلتين من قماشه، وأمر له بعشرين رطل لحم فى كل يوم، وستة أطيار دجاج، وخمسمائة درهم فلوسا برسم حوائج الطعام، وفسح له فى الاجتماع بمن يختاره من الفرنج وغيرهم، وأدخل إليه جماعة من حواشيه لخدمته، كلّ ذلك والسلطان مصمم على طلب خمسمائة ألف دينار منه يفدى بها نفسه وإلّا يقتله، والرسل