لكل [واحد]«١» منهم يرتفق بها، فامتنع الوزير ابن العلوىّ من ذلك، وقال:
ليمضوا غصبا إن كان لهم غرض فى الخدمة، وحين وصول الخزانة يكون خيرا وإلا ففسح الله لهم فما للدهر بهم حاجة، والسلطان غنىّ عنهم، فهيّج هذا القول خفاء بواطنهم، وتحالف العبيد والترك على الفتك بالوزير، وإثارة فتنة، فبلغ الخبر السلطان فأعلم به الوزير، فقال: ما يسوّوا شيئا، بل نشنق كلّ عشرة فى موضع، وهم أعجز من ذلك.
فلما كان يوم الخميس تاسع جمادى الأولى هذه قبيل المغرب هجم جماعة من العبيد والترك دار العدل بتعزّ، وافترقوا أربع فرق: فرقة دخلت من باب الدار، وفرقة دخلت من باب السر، وفرقة وقفت تحت الدار، وفرقة أخذت بجانب آخر، فخرج إليهم الأمير سنقر أمير جاندار فهبروه بالسّيوف حتى هلك وقتلوا معه عليا المحالبى مشدّ الدّواوين وعدّة رجال، ثم طلعوا إلى الأشرف وقد اختفى بين نسائه وتزيّا بزيّهن فأخذوه، ومضوا إلى الوزير العلوى فقال لهم: ما لكم فى قتلى فائدة، أنا أنفق على العسكر نفقة شهرين، فمضوا إلى الأمير شمس الدين على بن الحسام فقبضوا عليه وقد اختفى، وسجنوا الأشرف فى طبقة المماليك ووكلوا به، وسجنوا ابن العلوى الوزير وابن الحسام قريبا من الأشرف ووكلوا بهما، وقد قيدوا الجميع، وصار كبير هذه الفتنة برقوق من جماعة الأتراك، فصعد هو وجماعة ليخرج الملك الظاهر يحيى ابن الأشرف إسماعيل بن عباس من تعبات «٢» ، فامتنع أمير البلد من الفتح ليلا، وبعث الظاهر إلى برقوق أن يمهل إلى الصبح، فنزل برقوق ونادى فى البلد بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وأن السلطان هو الملك الظّاهر يحيى بن الأشرف، هذا وقد نهب العسكر عند دخولهم دار العدل جميع ما فى دار السلطنة، وأفحشوا فى نهبهم؛ فسلبوا الحريم ما عليهن، وانتهكوا منهن ما حرّم الله، ولم يدع فى الدار ما قيمته الدّرهم الفرد «٣» .