الرّبيع، ويعلّل الحكماء ذلك بأنه سيلان الأخلاط فى فصل الرّبيع وجمودها فى الشتاء، فوقع فى هذه السنة بخلاف ذلك، وكان قدم الخبر أيضا بوقوع الطاعون بمدينة برصا من بلاد الرّوم، وأنه زاد عدّة من يموت بها فى كل يوم على ألف وخمسمائة إنسان، ثم بدأ الطاعون بالديار المصرية فى أوائل شهر ربيع الآخر.
قلت: وهذا الطاعون هو الفناء العظيم الذي حصل بالدّيار المصرية وأعمالها فى سنة ثلاث وثلاثين المذكورة.
ثم فى يوم الخميس أوّل جمادى الأولى نودى بالقاهرة بصيام ثلاثة أيّام، وأن يتوبوا إلى الله تعالى من معاصيهم، وأن يخرجوا من المظالم، ثم إنهم يخرجون فى يوم الأحد رابع جمادى الأولى المذكور إلى الصحراء، فلما كان يوم الأحد رابعه «١» خرج قاضى القضاة علم الدين صالح البلقينىّ فى جمع موفور إلى الصّحراء خارج القاهرة، وجلس بجانب تربة الملك الظاهر برقوق، ووعظ الناس فكثر ضجيج النّاس وبكاؤهم فى دعائهم وتضرّعهم، ثم انفضوا فتزايدت عدّة الأموات فى هذا اليوم عمّا كانت فى أمسه ثم فى ثامن جمادى الأول هذا قدم كتاب إسكندر بن قرايوسف صاحب تبريز أنه قدم إلى بلاده وقصده أن يمشى بعد انقضاء الشّتاء لمحاربة قرايلك، فلم يلتفت السلطان إلى كتابه لشغله بموت مماليكه وغيرهم بالطّاعون.
ثم ورد كتاب قرايلك أيضا على السلطان يسأل فيه العفو عن ولده هابيل وإطلاقه، فلم يسمح له السلطان بذلك.
ثم عظم الوباء فى هذا الشهر، وأخذ يتزايد فى كل يوم، ثم ورد الخبر [أيضا]«٢» أنه ضبط من مات من النّحريريّة بالوجه البحرى إلى يوم تاريخه تسعة آلاف سوى من لم يعرف وهم كثير جدا، وأنه بلغ عدّة الأموات فى الإسكندرية فى كل يوم نحو المائة، وأنه شمل الوباء غالب الأقاليم بالوجه البحرى.