الغشّ والنحاس، وقد استوعبنا ذلك كلّه مفصّلا باليوم فى تاريخنا «حوادث الدهور فى مدى الأيام والشهور «١» » إذ هو ضابط لهذا الشأن مشحون بما يقع فى الزمان من ولاية وعزل وغريبة وعجيبة.
ثم تكرّر ركوب السلطان فى شهر ربيع الأوّل هذا للصيد غير مرّة بعدّة نواح، كل ذلك والخواطر مشغولة بأمر جانى بك الصّوفى والفحص عنه مستمر، والناس بسبب ذلك فى جهد وبلاء، فما هو إلا أن يكون الرجل له عدوّ وأراد هلاكه أشاع بأن جانى بك الصوفى مختف عنده فعند ذلك حلّ به بلاء الله المنزل من كبس داره، ونهب قماشه، وهتك حريمه، وسجنه فى أيدى العواتية، ثم بعد ذلك يصير حاله إلى [أحد]«٢» أمرين: إما أن يضرب ويقرّر بالعقوبه، وإما أن تبرّأ ساحته ويطلق بعد أن يقاسى من الأهوال ما سيذكره إلى أن يموت، ولقد رأيت من هذا النوع أعاجيب، منها: إن بعض أصحابنا الخاصّكيّة ضرب بعض السقايين على ظهره ضربة واحدة، فرمى السقّاء المذكور قربته وترك حمله وصاح: هذا الوقت أعرّف السلطان بمن هو مختف عندك، ومشى مسرعا خطوات إلى جهة القلعة، فذهب خلفه حواشى الخاصّكى المذكور ليرجعوه فلم يلتفت، فنزل إليه الخاصّكى بنفسه حافيا وتبعه إلى الشارع الأعظم حتى لحقه وقد أعاقه الناس له، فأخذ الخاصّكى يتلطّف به ويترضّاه ويبوس صدره غير مرّة ويترقّق له وقد علاه اصفرار ورعدة، والناس تسخر من حاله لكونه ما يعرف باللغة العربية إلا كلمات هينة، فصار مع عدم معرفته يريد ملاطفة السّقّاء المذكور فيتكلّم بكلام إذا سمعه الشخص لا يكاد يتمالك نفسه، وسخر الناس وأهل حارته بكلامه أشهرا وسنين، فلما انتهى أمره وبلغنى ما وقع له كلّمته فيما فعله ولمته فى ذلك، فقال: خل عنك هذا الكلام، والله إن إينال السلحدار وأخاه يشبك