لم أحرّر عدّتهم، فجلس السلطان بالمقعد الذي على باب البحرة من الحوش السلطانى بقلعة الجبل، وأعطى لكل مملوك صرّة فيها ألف درهم وخمسون درهما [فضة]«١» أشرفيّة، عنها من الفلوس اثنان وعشرون ألف درهم، وهى مصارفة مائة دينار من حساب صرف كل دينار بمائتين وعشرين درهما فلوسا، وكان صرف الدينار يوم ذاك بمائتين وثمانين درهما، كما حملت النفقة أيضا للأمراء على هذا الحساب، وكانت المماليك السلطانية اتّفقوا على أنّهم لا يأخذون إلا مائة دينار ذهبا، ودخلوا على ذلك، فلما استدعى الديوان أوّل اسم من طبقة الرّفرف خرج صاحبه وأخذ وباس الأرض وعاد إلى حال سبيله، واستدعى الديوان من هو بعده فخرج واحد بعد واحد إلى أن تمت النفقة «٢» ولم يتفوّه أحد منهم بكلمة فى معنى ما اتفقوا عليه، ولما نزولوا بعد القبض للنفقة صار بعضهم يوبخ البعض خفية على ترك ما اتّفقوا عليه، إلى أن قال لهم بعض المماليك المؤيدية: احمدوا الله على هذا العطاء، فو الله لو لم ينفق [السلطان]«٣» فيكم وأمركم بالسّفر معه من غير نفقة لخرجتم معه صاغرين، وأوّلهم أنا، فضحك القوم من كلامه وانصرفوا.
قلت: تلك أمة قد خلت، هؤلاء القوم يأكلون الأرزاق صدقة عن تلك الأمم السالفة؛ فإننا لا نعلم بقتال وقع فى هذا القرن- أعنى عن قرن التسعمائة- غير وقعة تيمور لنك مع نوّاب البلاد الشاميّة على ظاهر حلب، لا مع العساكر المصريّة. وأما ما وقع بعد ذلك من الوقائع فى الدولة الناصرية [فرج]«٤» الدولة المؤيدية [شيخ]«٥» والدولة الظاهرية [ططر]«٦» والدولة المنصورية [محمد بن ططر]«٧» فهو نوع «٨» من القتال لا القتال المعهود بعينه، وتصديق ذلك أنه لم تكن وقعة وقعت فى هذ الدّول