فيما قيل، وهو أن الملك الأشرف كان عنده بخل وعدم محبة للسّفر من مبدأ أمره إلى أيّام سلطنته، وكان أشاع فى السنين الماضية أنه يريد السّفر لقتال قرايلك يوهم قرايلك بذلك ليرسل إليه بالدخول فى طاعته، وكان قرايلك أرسل إلى السلطان فى ذلك لمّا كان ولده هابيل فى حبس الملك الأشرف، فلما مات هابيل بالطّاعون فى سنة ثلاث وثلاثين فى محبسه أمسك قرايلك عن مكاتبات السلطان، وأخذ فى ضرب معاملاته، وصار السلطان فى كل سنة يتجهز للسفر ويشيع ذلك إرداعا لقرايلك، فلم يلتفت قرايلك لذلك، فلمّا طال الأمر على السلطان حقّق ما كان أشاعه من السّفر مخافة العار والقالة فى حقّه.
وتأييد ما قيل أننى سمعته يقول فى بعض منازله فى سفره إلى آمد، وأظنه فى العودة:
لو سألنى قرايلك فى الصّلح والدخول فى طاعتى بمقدار ما سأله للأمير جكم من عوض نائب حلب لما مشى لفتاله أو أقل من ذلك لرضيت، فهذا الخبر يقوّى القول المقدّم ذكره.
واستمر السلطان فى انتظار قدوم رسل قرايلك بالصّلح فى كل يوم وساعة، وهو يترجّى أنه إذا بلغه صحة سفر السلطان إلى قتاله يرسل قصّاده فى السّؤال بالصّلح، وأرباب دولته تشير عليه بالتربّص والتأنى فى أمر السّفر مخافة من وقوعهم فى الكلف الكثيرة، فأشاروا عليه بأن ينفق فى الأمراء أوّلا ربما يأتى رسول قرايلك فى السؤال ويبرم الصلح، فيكون استعادة المال منهم أهون من استعادته من المماليك السلطانية، فحسن ذلك ببال السلطان، وهو كما قيل فى الأمثال «إن كلمة الشح مطاعة» وأنفق فى الأمراء وعوّق نفقة المماليك إلى أن كان يوم سلخ جمادى الآخرة وقع «١» الإياس من قرايلك وأخذ فى نفقة المماليك السلطانية فى سلخ الشهر المذكور، فأنفق على عدّة كبيرة من المماليك السلطانية لا يحضرنى عدّتهم.
قال المقريزى: وهم ألفان وسبعمائة، وفى ظنى أنهم كانوا أكثر من ذلك غير أنى