ثم فى يوم الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة أنفق السلطان فى المماليك المجرّدين إلى مكة- وهم خمسون مملوكا- لكل واحد منهم مبلغ ثلاثين دينارا، وتجهّزوا للسفر إلى مكة صحبة الأمير أسنبغا الطيارى [ «١» فلما كان يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة المذكورة برز فيه الأمير أسنبغا الطيّارىّ] «٢» بمن معه من المماليك السلطانية والحجّاج.
وفيه خلع السلطان على سعد الدين إبراهيم بن المرة ليكون رفيقا للأمير أسنبغا الطيّارىّ فى التكلّم على بندر جدّة.
وفى هذه الأيام قوى عزم السلطان على السّفر، وظهر للناس حقيقة ذلك من تجهيز أمور السلطان وتعلقاته للسفر، وأيضا فإنه رسم فى هذه الأيام بصرّ «٣» نفقة المماليك السلطانية بسبب السفر.
ثم فى يوم الخميس حادى عشرين جمادى الآخرة [المذكورة]«٤» أنفق السلطان فى الأمراء نفقه السّفر، فعند ذلك اضطرب الناس وأخذوا فى تجهيز أمورهم وتيقّنوا صدق القالة، فحمل السلطان إلى الأمير الكبير أتابك العساكر سودون من عبد الرحمن أكياس فضّة حسابا عن ثلاثة آلاف دينار، وإلى كلّ من أمراء الألوف- وهم عشرة أنفس- لكل واحد ألفى دينار، وإلى كل من أمراء الطّبلخانات خمسمائة دينار، وإلى كل من أمراء العشرات مائتى دينار، وكل ذلك فضّة حسابا عن الذّهب من سعر الدينار بمائتين وعشرين درهما، والدينار يومئذ بمائتين وثمانين، فالنفقة على هذا الحكم تنقص مبلغا كبيرا، غير أنه من هو المشاحح لذلك، ولسان الحال يقول:(يد الخلافة لا تطاولها يد) وكان هذا أيضا بخلاف القاعدة؛ فإنّ قاعدة الملوك أن تنفق أولا على المماليك السلطانية، ثم تنفق على الأمراء، فكان ذلك بخلاف ما كان، وكان له سبب