فإنه كان كل واحد «١» من الأجناد صار أمام خيمته جرن كبير مما يحصده غلامه ويأتيه به من زروع «٢» آمد، فلما انطلق النار «٣» فى هذه الأجران، انطبق الوطاق بالدخان «٤» إلى «٥» الجو، حتى صار الرجل لا ينظر إلى الرجل الذي بجانبه.
ورحل الناس على هذه الهيئة مسرعين، مخافة أن يسير السلطان ويتركهم غنيمة لأهل آمد. وبالله لو نزلوا فى ذلك الوقت لأمسكوا من اختاروا مسكه «٦» قبضا باليد، ولو أرادوا النهب لغنموا وسعدوا إلى الأبد، لأن السلطان سار قبل رحيل نصف عسكره. وسار القوم من آمد إلى جهات متفرقة، إلى أن طلع النهار، وقد تمزقت العساكر فى طرقات متعددة، لا تعرف طائفة خبر طائفة أخرى، لبعد ما بينهم من المسافة. فتوجه أتابك العساكر سودون من عبد الرحمن، وهو مريض ملازم ركوب المحفة، من طريق ماردين السالكة إلى مدينة الرّها، ومعه طائفة كبيرة ممن تبعه من العسكر السلطانى، وتوجهت طائفة أخرى من العسكر من الطريق التى «٧» سلكناها فى الذهاب إلى آمد من جهة قلعة أرقنين التى «٨» بها قرايلك، وتبعهم خلائق وعدة أطلاب.
فافترق الأمراء من مماليكهم وأطلابهم، وتشتت شملهم، وسار السلطان من الطريق الوسطى من على الجبل المعروف قراضاغ «٩» ، وهذا الطريق أقرب الطرق كالمفازة، غير أنه عسر المسلك إلى الغاية من الطلوع والنزول وضيق الطرقات.
وكنت أنا معه بهذا الطريق المذكور «١٠» ، وأكل السبع رجلا «١١» من غلماننا، ووقع ذلك لجماعة أخر، واصطادت الناس السباع من الأوكار، وسرنا حتى نزلنا عن الجبل إلى