على السلطان من كون ابن عثمان «١» لبس خلعته، حتى قيل له: إنه فعل ذلك فى مجلس أنسه استهزاء به. قلت: لبس الخلعة والفشار ما إليه.
ثم فى يوم الاثنين ثانى شهر ربيع الأول من سنة تسع وثلاثين المذكورة، خلع السلطان على القاضى شرف الدين أبى بكر نائب كاتب السر باستقراره فى كتابة سر حلب، عوضا عن زين الدين عمر بن السفاح، بعد امتناع شرف الدين من ذلك أشد امتناع. وسبب ذلك: أن ابن السفاح المذكور كتب إلى السلطان مرارا عديدة بالحطّ على قرقماس نائب حلب، وأنه يريد الوثوب على السلطان والخروج عن الطاعة، وآخر ما ورد كتابه بذلك فى نصف صفر من هذه السنة، [أعنى سنة تسع وثلاثين، فلما وقع ذلك كتب السلطان إلى الأمير قرقماس المذكور بالحضور، وقد يئس السلطان من حضوره]«٢» لما قوى عنده من خروجه عن الطاعة، وقلق السلطان قلقا زائدا بعد ما «٣» طلبه خوفا من عدم حضوره، فلم يكن بأسرع من مجىء نجّاب قرقماس نائب حلب المقدم ذكره، فى خامس عشرين صفر، يستأذن فى قدوم قرقماس إلى الديار المصرية، وقد بلغه شىء مما رمى به، فغضب السلطان عند ذلك على زين الدين عمر بن السفاح، ورسم بعزله واستقرار شرف الدين المذكور عوضه، وتحقق السلطان أنه لو كان قرقماس مخامرا، لما استأذن فى الحضور، فسرّ السلطان بذلك، وكتب له الجواب بأنه تقدم الطلب له.
وأما قرقماس فإنه لما ورد عليه الطلب من السلطان، خرج على الفور من حلب على الهجن فى خواصه، وسار حتى قدم إلى خارج القاهرة فى يوم الجمعة سادس شهر ربيع الأول المذكور، وطلع من الغد إلى القلعة، فلم يخلع السلطان عليه خلعة الاستمرار لكونه استعفى عن نيابة حلب، فما صدق السلطان بأنه تلفظ بذلك.