وحلّف الجميع، ثم نزل عبد الباسط إلى الأمير الكبير جقمق وحلّفه على طاعة السلطان، وبعد تحليفه نزل إليه الأمير إينال المشدّ والأمير علىّ باى الخازندار، وقبّل كل منهما بده بمن معهما من أصحابهما، فأكرمهم جقمق ووعدهم بكل خير، وعادوا «١» إلى القلعة وسكن الناس وبطل الكلام بين الطائفتين.
فلما كان يوم الأربعاء عاشر ذى الحجة، وهو يوم عيد النحر، خرج المقام الجمالى يوسف ولىّ العهد الشريف وصلىّ صلاة العيد بجامع القلعة، وصلى معه الأمير الكبير جقمق العلائى وغالب أمراء الدولة، ومشوا فى خدمته بعد انقضاء الصلاة والخطبة، حتى جلس على باب الستارة، وخلع على الأمير الكبير جقمق وعلى من له عادة بلبس الخلع فى يوم عيد النحر، ثم نزلوا إلى دورهم، وقام المقام الجمالى ونحر ضحاياه بالحوش السلطانى. هذا وقد حصل للسلطان نوب كثيرة من الصرع حتى خارت قواه ولم يبق إلا أوقات يقضيها؛ واستمر على ذلك والإرجاف يتواتر بموته فى كل وقت، إلى أن مات قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجة [من]«٢» سنة إحدى وأربعين وثمانمائة «٣» ، وسنّه يوم مات بضع وستون سنة تخمينا؛ فارتجت القلعة لموته ساعة ثم سكنوا. وفى الحال حضر الخليفة والقضاة الأربعة «٤» والأمير الكبير جقمق العلائى وسائر أمراء الدولة، وسلطنوا المقام الجمالى يوسف ولقبوه بالملك العزيز يوسف، حسبما يأتى ذكره فى محلّه. ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السلطان، فجهز وغسل وكفن بحضرة الأمير إينال الأحمدى الفقيه الظاهرى [برقوق]«٥» أحد أمراء العشرات بوصية السلطان له، وهو الذي أخرج عليه كلفة تجهيزه وخرجته من مال كان الأشرف دفعه إليه فى حياته، وأوصاه أن يحضر غسله وتكفينه ودفنه.