اليوم؛ ثم انصرف الجميع عائدين فى خدمة الأمير الكبير إلى أن أوصلوه إلى سلم الحراقة، ووقفوا له هناك حتى سلّم عليهم، وعادوا إلى دورهم.
وكان سبب تأخر قرقماس عن الطلوع فى هذا اليوم والذي قبله، أمور: منها أنه كان فى نفسه الوثوب على الأمر، وفعل ما فعل من مسك الأمراء وغيرهم ليروج أمره بذلك، فلم ينتج أمره وتقهقر وزادت عظمة الأتابك جقمق، فعزّ عليه ذلك فى الباطن، وكان فى ظنه أنه لا بد أن يملك الديار المصرية من يوم توجّه إلى مكة وحكمها.
فلما عرف منه ذلك تقرب إليه جماعة من الذين يوهمون الناس أنهم صلحاء، ولهم اطلاع على المغيبات، وصاروا يبشرونه بسلطنة مصر، وتخبره جماعة أخر [بمنامات]«١» تدل على قصده فينعم عليهم بأشياء كثيرة.
ثم كلما نظر من «٢» يدعى معرفة علم النجوم «٣» يسأله عما فى خاطره- وقد أشيع عنه حب الرئاسة- فيبشره الرّمّال أو المنجم أيضا بما يسره من قبله وحسب اجتهاده لأخذ دراهمه.
فكان قرقماس ينتظر موت [الملك]«٤» الأشرف [يوما بيوم، فاتفق موت الملك الأشرف برسباى]«٥» وهو مسافر، وإلى أن يحضر انتظم أمر الأتابك جقمق وتمّ، فلم يلتفت إلى ما رأى من أمر جقمق بما سبق عنده أنه لا بد له من السلطنة، وأخذ يسلك طريقا تصادف ما هو قصده.
فدخل القاهرة مطلّبا «٦» ، فلم يلتفت إليه أحد. وطلع إلى الأتابك جقمق وامتنع من طلوع القلعة إلى الملك العزيز حتى قبّل الأرض من الإسطبل خوفا من أن يقبض عليه، يريد بذلك أن ينتبه إليه الناس، فلم ينظر إليه أحد.