ثم أخذ فى مسك الأمراء، حتى يعظم فى النفوس، فلم يقع ذلك. فانقطع بداره عن الطلوع إلى الأتابك مدة أيام وتعلل بأنه بلغه عن الأمير الكبير وحواشيه ما غيّر خاطره، يظهر ذلك لتتسامع بغضبه الناس ويأتوه ليثور بهم، فلم ينضم إليه أحد؛ فاستدرك فارطه واستمر بداره إلى هذا اليوم.
فلما عاد الأتابك من عند الملك العزيز إلى سكنه بالحرّاقة من باب السلسلة، أرسل إلى الأمير قرقماس المذكور الأمير تمراز القرمشى رأس نوبة النّوب، وقراجا الأشرفى أحد مقدمى الألوف، والزينى عبد الباسط ناظر الجيش، يسألوه عن سبب انقطاعه عن [الطلوع]«١» إلى الأمير الكبير فى هذه الأيام، فذكر لهم أنه بلغه عن حواشى الأمير الكبير من المؤيّدية أنهم يتهموه بالركوب وإثارة الفتن وأنه يريد يتسلطن ولم يكن له علم بشىء من ذلك، فما زالوا به حتى ركب معهم.
وطلع إلى الأمير الكبير بالحرّاقة من الإسطبل السلطانى، فقام الأمير الكبير واعتنقه وأخذ بيده ودخلا مع أعيان الحاضرين إلى مبيت الحرّاقة، وجلسا فى خلوة وتعاتبا قليلا، وأخذ الأمير الكبير يقول له «٢» إن قرقماس عنده فى مقام روحه، وأنه لم يتصل إلى هذا الموصل إلا بقوته وكونه معه، وأخذ فى مخادعته والأخذ بخاطره، إلى أن تحقق قرقماس أنه لا يأتيه ما يكره من قبل الأتابك، إلى أن يدبر لنفسه ما يوصله [٨٨] إلى غرضه، ثم حلف له الأتابك على هذا المعنى جميعه وبكى واعتنقه، وخرجا من المبيت وقد صفا «٣» ما بينهما ظاهرا، والباطن فلا يعلم ما فيه إلا الله تعالى.
وهو أن قرقماس لم يطلع فى هذا اليوم إلى الأتابك إلا بعد أن عجز عما فى خاطره، فاحتاج إلى المداهنة حتى يطول أمره إلى أن يحصل له مراده، ولم يخف ذلك عن