الظاهر جقمق، [و]«١» انتهزوا الفرصة وقصدوا الركوب ووقوع الحرب فى الحال، بجهل وعدم دربة بالوقائع والحروب، وأخذوه ومضوا وهم فى خدمته إلى بيته، وكان سكنه بملكه بالقرب من المدابغ خارج باب زويلة. وتلاحق بهم جماعة كثيرة من أعيان المماليك السلطانية وبعض الأمراء وعليهم السلاح، وراودوه على الركوب فلم يعجبه ذلك، وقال لهم ما معناه أن له أصحابا «٢» وخجداشية كثيرة وجماعة من أكابر الأمراء لهم معه ميل وغرض، فاصبروا إلى باكر النهار من الغد لنتشاور معهم فى أمرنا هذا وفيما نفعله، فامتنعوا من ذلك وأظهروا له إن لم يركب فى هذا اليوم لم يوافقوه بعد ذلك.
وكان جمعهم قد كثر إلى الغاية، ولكن غالبهم المماليك الأشرفية، وكان الذي قال له ذلك الأمير مغلباى الجقمقى أستادار الصحبة على لسان بعض أصحابه، وقيل إن قرقماس أراد بهذا الكلام توقفهم حتى يتفرقوا عنه ثم يصعد هو إلى القلعة ويعلم السلطان بذلك.
وعندى أن الصحيح [أنه]«٣» لم يرد بقوله هذا إلا تحكيم أمره حتى يأتوه من الغد بجموعهم، ويأخذوه غصبا كما فعل القوم بالملك الظاهر جقمق، ويجتمع عليه حواشيه وأصحابه- وأنا أعرف بحاله من غيرى- فأبوا عليه وألحوا فى ركوبه فى الوقت، وخوّفوه تفرّق من اجتمع عليه فى هذا اليوم، وكانوا خلائق كثيرة إلى الغاية. فنظر عند ذلك فى أمره، فلم يجد بدا من موافقتهم وركوبه معهم فى هذا اليوم لما فى نفسه من الوثوب على السلطنة [والاستبداد بالأمر]«٤» ، وكان فيه طيش وخفة [فى صفة]«٥» عقل ورزانة [٩٤] لا يفهم منه ذلك إلا من له ذوق ومعرفة بنقد الرجال.
وخاف قرقماس إن لم يركب فى هذا اليوم وأراد الركوب بعد ذلك، لا يوافقه أحد من