هؤلاء، فينحلّ بذلك برمه ويطول عليه الأمر، لعظم ما كان داخله الحسد للملك الظاهر جقمق، ولله دار القائل:«الحاسد ظالم فى صفة مظلوم مبتلى غير مرحوم» .
وأحسن من هذا قول القائل، وهو لسان حال الملك الظاهر جقمق:[الطويل]
وكلّ أداريه على حسب حاله ... سوى حاسدى فهى التى لا أنالها
وكيف يدارى المرء حاسد نعمة ... إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
فعند ذلك قام ولبس آلة الحرب هو ومماليكه، وركب من وقته قريب الظهر من يوم الأربعاء رابع شهر ربيع الآخر المذكور، وخرج من بيته بعساكر عظيمة، ومعه أمراء العشرات: الأمير أزبك السيفى قانى باى نائب الشام المعروف بأزبك جحا، والأمير جانم الأشرفى [المعروف برأس نوبة سيّدى، وكلاهما أمير غشرة «١» ، وقد وافقه غيرهما مثل الأمير قراجا] «٢» الأشرفى أحد مقدمى الألوف، والأمير مغلباى الجقمقى أستادار الصحبة، ووعداه أنهما يوافياه «٣» بمماليكهما «٤» بالرملة.
وخرج الأمير قرقماس من بيته بجموعه فوافيته خارج باب زويلة من غير ميعاد، وسرت معه، وصحبته عساكر كثيرة من الأشرفية وغيرهم، وأنا بجانبه. فتأملت فى أمره فلم يعجبنى حاله، لاضطراب عساكره ولعدم من يرأسهم من أعيان الأمراء ممن مرّت بهم التجارب، وأيضا لكثرة قلقه فى مسيره وعدم ثباته فى كلامه، وظهر لى منه أيضا أنه لم يعجبه ما هو فيه من اختلاف كلمة من هو معه من المماليك السلطانية وآرائهم المفلوكة وكثرة هرجهم، ثم صار يقول فى مسيره: الله ينصر الحق، فيقول آخر: الله ينصر الملك العزيز يوسف، ويقول آخر: الله ينصر الأمير قرقماس، ومنهم من قال: الله ينصر السلطان، ولم أدر أىّ سلطان قصد؛ كل ذلك فى تلك المسافة القريبة من بيته إلى الرملة.