ثم كشف قرقماس رأسه وصاح:«الله ينصر الحق» غير مرة، فتعجبت أنا من دعائه، لأىّ حق يريد؟ فلما أن كشف رأسه تفاعل الناس بخذلانه، وظهر لى منه أيضا أنه كان يتخوف من المماليك الأشرفية، لما بلغنى بعد ذلك أنه بلغه فى اليوم المذكور أنهم إذا انتصروا على [الملك]«١» الظاهر جقمق وملكوا القلعة ضربوا رقبة قرقماس، فنفر خاطره من ذلك. وكأنه بلغه ذلك بعد ركوبه وشروعه فيما هو فيه، فبقى لا يمكنه إلا الإتمام، لأن الشروع ملزم؛ والمقصود أنه سار إلى أن وصل قريبا من جامع السلطان حسن، فوافاه الأمير قراجا بطلبه ومماليكه وعليهم السلاح، والأمير مغلباى الجقمقى، وسارا معه من تحت مدرسة السلطان حسن إلى بيت قوصون تجاه باب السلسلة.
وكان يسكنه يوم ذاك الأمير أركماس الظاهرى الدوادار الكبير، وقد أغلقه مماليك أركماس [المذكور]«٢» ، فقصد قرقماس [المذكور]«٣» عبور البيت المذكور فوجده مغلقا، ثم دخله بعد أمور، فإذا بأركماس الظاهرى قد خرج من باب سرّ البيت المذكور، ومضى إلى حال سبيله [محمولا]«٤» لعجزه عن الحركة لوجع كان يعتريه برجليه، وأيضا لم يكن من هذا القبيل.
وملك قرقماس البيت ودخله، وأخذ فيما يفعله مع عساكر السلطان من القتال وغيره، فلم ينتظم له أمر ولا رتب له طلب من كثرة الغوغاء والهرج، حتى أن باب السلسلة كان مفتوحا منذ قدم قرقماس إلى الرملة وأخذ بيت أركماس الظاهرى، والأمير تمراز القرمشى الأمير آخور الكبير لم يلتفت إلى غلقه ولا تحرك من مجلسه ولا ألبس أحدا من مماليكه السلاح، ومن عظم تراخيه فى ذلك «٥» نسبوه للمالأة مع قرقماس- ولا يبعد ذلك. ومع هذا كله لم يلتفت أحد من أصحاب قرقماس إلى أخذ باب السلسلة، ولا سار أحد إلى جهته جملة كافية، لعظم